شعراء يرثون أنفسهم قبل موتهم

شعراء يرثون أنفسهم قبل موتهم

شعراء يرثون أنفسهم قبل موتهم

تعددت أغرض الشعر العربي من رثاء، ومديح، وهجاء، وغزل، وغيرها من الأغراض في العصور القديمة

ويحتل الرثاء موقعاً متميزاً في الشعر العربي القديم والحديث ربما لأنه الموضوع الأكثر التصاقاً بالنفس والأدعى إلى سبر أغوارها وكشف اضطرابها وتصدعها من أي موضوع آخر

وسواء تعلق الأمر بالأماكن والمنازل والأوطان أو تعلق برثاء الأحبة والأهل والأصدقاء فهو يصدر غالباً عن إحساس غامر بالخسارة وعن شعور عميق بالفقدان

على أن ما يلفت في هذا السياق ليس رثاء الشعراء لغيرهم من الراحلين الذين تربطهم بهم صلة مودة وحب وقربى بل رثاء الشعراء لأنفسهم قبل الموت حيث هناك شعراء كتبوا قصائد رثوا فيها أنفسهم وهم ما زالوا على قيد الحياة وهو أمر ندر حدوثه في الآداب الأخرى وإن لم يكن مستبعداً بالكامل

ومن يتتبع ديوان الشعر العربي وسير الشعراء وأعمالهم فلا بد أن تستوقفه تلك الظاهرة تبعاً لتجربة الشاعر الخاصة وتكوينه النفسي والطريقة التي يموت فيها والخطر الذي يتهدده.

الشاعر يحس بالزمن ويدرك أن حياته ستنتهي وأن أجله قادم مهما طال به الزمن ولكنه أكثر إحساساً وأعمق إدراكاً بهذه النهاية من أي إنسان آخر لذا فهو تارة يظهر سأمه من طول بقائه على قيد الحياة كما فعل زهير بن أبي سلمى عند بلوغه الثمانين وتارة يتمنى كما أبو العتاهية أن يعود شاباً وتارة أخرى يتمنى مثل تيم بن مقبل أن يكون حجراً «تنبو الحوادث عنه وهو ملموم»

وفي حالات كثيرة يتسارع الموت ويقطع على الشاعر اندفاعه في الحياة كأن يقع أسيرا في أيدي الأعداء فيتأكد موته ويعلن هذه النهاية كما فعل الشاعر الجاهلي عبد يغوث الحارثي حين أسرته قبيلة تميم .. وهذا الشاعر مالك بن الريب الذي أدرك موته بعد أن لدغته أفعى وهو بعيد عن دياره فلا يجد من يتعاطف معه غير سيفه ورمحه فهما أعز أحبابه .. وهذا امرؤ القيس يحس بدنو أجله فيرثي نفسه وهو يمر بقرب قبر امرأة بعد فشله في طلب النجدة من ملك الروم لإعادة ملكه .. وهذه ليلى الأخيلة التي ماتت في طريق العودة من العراق .. وابن زريق البغدادي حينما ترك بغداد مسافراً إلى الأندلس لكسب الرزق ووافته المنية هناك فكتب قصيدة «قمر من بغداد» يتذكر زوجته ويرثي نفسه بقوله: «ودعته ليت قلبي لا يودعه» .. وكذلك جميل بثينة الذي مات غريباً في مصر بعث بأبيات لبثينة يقول فيها: «صدع النعي وما كنى بجميلِ… وثوى بمصر ثواءَ غيرِ قفول» فعرفت بثينة بفراق حبيبها

إلا أن أكثر القصائد التي نظمت في رثاء النفس عند العرب تعود إلى أولئك الشعراء الفرسان الذين أصيبوا إصابات قاتلة في حومة الحروب أو أولئك الذين قضوا اغتيالاً بالسيف أو بالسم أو أولئك الذين داهمهم مرض قاتل يتعذر الشفاء منه.

وفي جميع الحالات كان رثاؤهم لأنفسهم يصدر عن تعلّق مفرط بالحياة والتأسف على الشباب والتبرم من الدنيا والغربة المكانية والزمانية والشعور بدنو الأجل وجاء الموت ليضع حداً مبكراً له ومن رهافة بالغة في المشاعر وإحساس بالغ بفوات الأوان.

ويبدو الرثاء هنا احتجاجاً بالكلمات على مصير أسود كانوا قد غفلوا عنه في لحظة من الزمن وعلى موت داهمهم و حسبوا في لحظات غفلتهم أنه لن يصيب سوى الآخرين أو حسبوه قد أتى قبل أوانه خاصة أن معظمهم كان في قمة شبابه ولم تكن الشيخوخة قد أدركته بعد.

وقد كشف هذا النوع من الشعر عن عقيدة الشعراء في مسألة الحياة والموت ووثق بعض جوانب حياتهم من أيام الجاهلية إلى عصرنا الحالي في الفصحى والشعبي

أنشد الشعراء قصائد الرثاء فنالوا الإعجاب على اعتبار أنها من أصدق الفنون الشعرية وتصدر من عاطفة صقلها الحزن الذي يعتري المرء حين يشعر بأنه سيفارق الدنيا من دون أن يدرك أحلامه في الحياة وقد اشتهر العديد منهم وتمتعوا بالمنزلة الرفيعة والسمعة الحسنة في مجتمعاتهم وأهمهم:

الشاعر مالك بن الريب

الحديث عن رثاء الشعراء لأنفسهم لا يستقيم من دون المرور على تجربة مالك بن الريب الذي تعد قصيدته اليائية في رثاء نفسه واحدة من أجمل قصائد الشعر العربي وأكثرها ثراءً وشفافية

مالك بن الريب بن حوط بن قرط المازني التميمي شاعر من الظرفاء الأدباء الفتاك وعرف هذا الشاعر بالوسامة والأناقة وعاش حياة العبث واللهو واشتهر في أوائل العصر الأموي ورويت عنه أخبار في أنه صعلوكاً وقاطع طرق مدة ورآه أمير المدينة سعيد بن عثمان بن عفان بالبادية في طريقه بين المدينة والبصرة وهو ذاهب إلى خراسان وقد ولّاه عليها معاوية (سنة 56) فأنَّبه سعيد على ما يقال عنه من العيث وقطع الطريق وحثه على تغيير حياته فقبل الدعوة وتاب إلى رشده والذهاب إلى الجهاد ودخل في جيوش الفتح واصطحبه معه إلى خراسان فشهد فتح سمرقند ,,

وإذا كان الرواة قد اختلفوا بشأن موته بين أن يكون قد جُرح في المعركة أو وقع في وهدة المرض أو انه في طريق عودته إلى وادي الغضا في نجد تعرّض إلى لدغة أفعى وقضت على أحلامه وآماله وأحس بالموت فقال قصيدته المشهورة التي نظمها في رثاء نفسه هي إحدى الروائع الشعرية التي تركت أثرها العميق في الشعراء الذين أتوا بعده وهي من غرر الشعر وعدّتها 58 بيتاً

واللافت أن قافية الياء المفتوحة التي استخدمها مالك بدت بمثابة نداء استغاثة مرير يرفعه الشاعر بانتظار خلاص ما لم يحصل عليه أبداً ومطلعها :

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً
بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَواجِيا

ومنها يشير إلى غربته:

تَذَكَّرتُ مَن يَبكي عَلَيَّ فَلَم أَجِد
سِوى السَّيفِ وَالرُّمحِ الرُدَينِيِّ باكِيا

ثم يقول مالك بن الريب في رثاء النفس :

وَلَمّا تَراءَت عِندَ مَروٍ منِيتي
وَخَلَّ بِها جِسمي وَحانَت وَفاتِيا

أَقولُ لأَصحابي اِرفَعوني فَإِنَّهُ
يَقَرُّ بِعَيني أَن سُهَيلٌ بَدا لِيا

فَيا صاحِبي رَحلي دَنا المَوتُ فَاِنزِلا
بِرابِيَةٍ إِنّي مُقيمٌ لَيالِيا

أقيما عَلَيَّ اليَومَ أَو بَعضَ لَيلَةٍ
وَلا تُعجلاني قَد تَبَيَّنَ شانِيا

وَقوما إِذا ما اِستُلَّ روحي فَهَيِّئا
لِيَ السّدرَ وَالأَكفانَ عِندَ فَنائِيا

وَخُطّا بِأَطرافِ الأَسِنَّةِ مَضجَعي
وَرُدَّا عَلى عَينَيَّ فَضلَ ردائِيا

وَلا تَحسداني بارَكَ اللَّهُ فيكُما
مِنَ الأَرضِ ذاتَ العَرضِ أَن توسِعا لِيا

خُذاني فَجُرّاني بِثَوبي إِلَيكُما
فَقَد كُنتُ قَبلَ اليَومِ صَعباً قيادِيا

وفي ختامها يتذكر امه وبناته فيقول :

وَبِالرَّملِ مِنّا نسوَةٌ لَو شَهِدنَني
بَكَينَ وَفَدَّينَ الطَبيبَ المُداوِيا

وَما كانَ عَهدُ الرَّملِ عِندي وَأَهلِهِ
ذَميماً وَلا وَدَّعتُ بِالرَّملِ قالِيا

فَمِنهُنَّ أُمّي وَاِبنَتايَ وَخالتي
وَباكِيَةٌ أُخرى تهيجُ البَواكِيا

الشاعر امرؤ القيس

امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من بني آكل المرار (130-80 ق.هـ) (497-545م) شاعر يماني الأصل اشتهر بلقبه واختلف النسابون في اسمه وكان أبو ه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر وعنه أخذ الشعر

ثم ثار بنو أسد على أبيه فقتلوه وثأر لأبيه من بني أسد وقال في ذلك شعرا كثيراً

وكانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس فطلبه فابتعد وانتهى إلى السموأل فأجاره ثم رأى ان يستعين بالروم على الفرس فسار إلى قيصر الروم يوستينياس في القسطنطينية فوعده ثم ولاه إمرة فلسطين وألبسه ملك الروم حلة مسمومة فرحل يريد فلسطين فوافاه أجله بأنقره

وصل امرؤ القيس إلى أنقرة حين علم أن الموت مدركه فقد أحس بدنو الأجل وأنه ميت ومقضي عليه من دون ذنب وكان حينذاك قرب جبل عسيب ورأى امرأة تدفن فأنشد قصيدته التي رثى نفسه فيها :

أجارتنا إنا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب

أجارتنا ما فات ليس يؤوب
وما هو آتٍ في الزمان قريب

وليس غريباً من تناءت دياره
ولكن من وارى الترابُ غريب

الشاعر طرفة بن العبد

طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد البكري الوائلي أبو عمرو شاعر جاهلي من الطبقة الأولى ولد في بادية البحرين وتنقل في بقاع نجد

قضى طرفة بن العبد الذي عشق الحرية وتغنى بها حياته في اللهو وكتب أجمل الأبيات في رثاء نفسه

واتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه ثم أرسله بكتاب إلى المعبر (عامله على البحرين وعمان) يأمره فيه بقتله لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها بما أثار غضبه ودفعه إلى إعطاء الأمر بقتله فقتله المكعبر شاباً في هجر قيل: ابن عشرين عاماً وقيل: ابن ست وعشرين.

أشهر شعره معلقته، ومطلعها:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

وكان هجاءاً غير فاحش القول تفيض الحكمة على لسانه في أكثر شعره

من بين قصائد رثاء النفس تلك تتسم قصيدة طرفة بن العبد في رثاء نفسه بالشمول والجزالة والتعبير عن الكرامة الإنسانية.

فطرفة الذي لم يعش أكثر من ربع قرن والذي بدا في معلقته الدالية زاخراً بالحياة ومتعلقاً بشهواتها وساخراً من الموت يلحّ في قصيدته الأخيرة على قدرية المصير الإنساني كما على مواجهة هذا المصير بكبرياء ورباطة جأش وهو الذي حمل بنفسه رسالة عمرو بن هند إلى والي البحرين التي قضت بقتله

فأدرك أن الموت قريب منه لذلك فهو يخاطب من خلف قضبان سجنه الذي سبق الموت حبيبته خولة بالقول متحسراً على نفسه:

ألا اعتزليني اليومَ خولةُ أو غُضِّي
فقد نزلتْ حدباءُ مُحْكَمَةُ العضِّ

إذا متُّ فابكيني بما أنا أهلُهُ
وحضّي عليَّ الباكياتِ مدى الحضِّ

ولا تَعْدليني إن هلكتُ بعاجزٍ
من الناس منقوضِ المريرة والنقضِ

أزالت فؤادي عن مقر مكانه
وأضحى جناحي اليوم ليس بذي نهض

فقد كنتُ جلداً في الحياة مدرناً
وقد كنت لباس الرجال على البغض

وإني لحلو للخليل وأنني
لمرٌّ لذي الأضغان أبدي له بغضي

الشاعر أُفنُون التغلبيُّ

أُفنُون التغلبيُّ (تُوفي نحو 60 ق.هـ المُوافق 564 ميلاديًا) واسمه صُريم بن معشر بن ذهل بن تميم من بني تغلب وقيل اسمه ظالم وهو شاعرٌ جاهلي يماني الأصل مات في بادية الشام.

لقب بأفنون لقوله في أبيات:

فتينا الودّ يا مضنون مضنونا
أزماننا إنَّ للشبّان أفنونا

يروى أن أفنونا لقي كاهنا في الجاهلية فسأله عن موته فقال له: أما إنك تموت بنثيَة يقال لها “إلاهة” فمكث ما شاء الله ثم إنه سافر في ركب من قومه إلى الشأم فأتوها ثم انصرفوا عنها فضلوا الطريق فقال الرجل: كيف نأخذ؟
قال: سيروا فإذا أتيتم مكان كذا وكذا حيي لكم الطريق ورأيتم الإلاهة
والإلاهة قارة بالسماوة
فلما أتوها نزل أصحابه وأبى أن ينزل معهم
فبينا ناقته ترتعي عرفجا إذ لدغتها أفعى في مشفرها
فاحتكت بساقه والحية متعلقة بمشفرها فلدغته في ساقه
فقال لأخ معه اسمه معاوية: احفر لي قبرا فإني هالك!
ثم رفع صوته يقول هذه القصيدة وقد أعلن فيها أن القدر هو الغالب القاهر وأن امرأ مهما يحتل لنفسه ويتوق ومهما يعلل نفسه بأقوال الكهان وحديث الأماني فإنه لا ريب سيلقى الذي قدر له ثم نعى نفسه في آخرها نعيا حزينا أن يرحل القوم ويتركوه لدى مصرعه وحيدا

وَلا خَيرَ فيما كَذَّبَ المَرءُ نَفسَهُ
وَتَقوالِهِ لِلشَيءِ يا لَيتَ ذا لِيا

وَإِن أَعجَبَتكَ الدَهرَ حالٌ مِن اِمرِئٍ
فَدَعهُ وَواكِل حالَهُ وَاللَيالِيا

فطأ معرضًا إن الحتوف كثيرة
وإنك لا تبقي بنفسك باقيا

لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتقي
إذا هو لم يجعل له الله واقيا

كفى حزنًا أن يرحل الحي غدوة
وأصبح في أعلى إلاهة ثاويا

الشاعر عبد يغوث بن الحارث

عبد يغوث بن الحارث بن وقاص بن صلاءة الحارثي المذحجي (45 ق هـ – 3 ق هـ / 578م – 618م) شاعر جاهلي ومن سادة الجاهلية

كان عبد يغوث فارس وسيد لقومه بنو الحارث بن كعب وكان قائدهم في يوم الكلاب الثاني على بني تميم وفي ذلك اليوم أُسر ثم قتل صبراً

وهو من أهل بيت معرق في الشعر في الجاهلية والإسلام منهم اللجلاج الحارثي وهو طفيل بن يزيد بن عبد يغوث ومسهر بن يزيد بن عبد يغوث وهو الذي طعن فارس بني عامر بن صعصعة عامر بن الطفيل فأذهب عينه.

جمعت مذحج من أهل اليمن جموعها وأحلافها في جيش عظيم وساروا يريدون بني تميم فوقعت بينهم وقعة يوم الكلاب الثاني فانهزمت مذحج وقتل من الفريقين

وقتل من بني تميم النعمان بن مالك بن الحارث بن جساس وأسر عبد يغوث وكان قائد قومه مذحج وأراد أن يفدي نفسه فأبت بنو تميم إلا أن تقتله بالنعمان بن جساس ولم يكن عبد يغوث قاتله ولكن قالت تميم: قتل فارسنا ولم يقتل لكم فارس مذكور.

وكانوا قد شدوا لسانه لئلا يهجوهم فلما لم يجد من القتل بدا طلب إليهم أن يطلقوا عن لسانه ليذم أصحابه وينوح على نفسه وأن يقتلوه قتلة كريمة فأجابوه وسقوه الخمر وقطعوا له عرقا يقال له الأكحل وتركوه ينزف حتى مات

فقال هذه القصيدة حين جهز للقتل نهى فيها صاحبيه عن لومه إذ اللوم قليل نفعه ورجا من يأتي العروض أن يبلغ أصحابه أن لا لقاء ثم أنحى على قومه باللوم إذ انهزموا وأنه لو شاء هرب ولكنه ثبت ليحمي الذمار ومؤخرة قومه

ثم قص قصة أسره وشد لسانه وما لقي من هزء نساء تميم به ثم فخر بشجاعته وكرمه وبراعته في الطعن والقتال

وقال في قصيدته:

أَلاَ لا تَلُومَانِي كَفي اللَّوْمَ ما بِيَـا
وما لَكُما في اللَّوْم خَيْـرٌ ولا لِيَـا

أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ المَلاَمَةَ نَفْعُها قليـلٌ
وما لَوْمِـي أَخِـي مِـن شِمَالِيَـا

فَيَا راكِباً إِمَّا عَرَضْـتَ فَبَلِّغَـنْ
نَدامَايَ مِن نَجْـرَانَ أَنْ لا تَلاَقِيَـا

أَبَا كَـرِبٍ والأَْيْهَمَيْـنِ كِلَيْهِمَـا
وقَيْساً بِأَعْلَي حَضْرَمَوْتَ اليمَانِيَـا

جَزَى اللهُ قَوْمِي بالكُلاَبِ مَلاَمَـةً
صَرِيحَهُـمُ والآخَرِيـنَ المَوَالـيَـا

ولو شِئْتُ نَجَّتْنِي مِن الْخَيْلِ نَهْدَةٌ
تَرَى خَلْفَها الحُـوَّ الْجِيَـادَ تَوَالِيَـا

ولكِنَّنِـي أَحْمِـي ذِمـارَ أَبِيكُـمُ
وكانَ الرِّماحُ يَخْتَطِفْـنَ المُحَامِيَـا

أَقُولُ وقد شَدُّوا لسانِـي بِنِسْعَـةٍ
أَمَعْشَرَ تَيْمٍ أَطْلِقُـوا عـن لِسَانِيَـا

أَمَعْشَرَ تَيْمٍ قَدْ مَلَكْتُهُمْ فأَسْجِحُـوا
فإِنَّ أَخاكمْ لـم يَكُـنْ مِـن بَوَائِيَـا

فإِنْ تَقْتُلُونِي تَقْتُلُـوا بِـيَ سَيِّـداً
وإِنْ تُطْلِقُونِـي تَحْرُبُونِـي بِمَالِيَـا

أَحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْـتُ سامِعـاً
نَشِيدَ الرُّعَـاءِ المُعْزِبيـنَ المَتَاليَـا

وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَـةٌ عبْشَمِيَّـةٌ
كأَنْ لَمْ تَرَى قبْلِـي أَسِيـراً يمَانِيَـا

وقد عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَـةُ أَنَّنِـي
أَنَا اللَّيْـثُ مَعْـدُوًّا علـيَّ وعادِيـا

وقد كُنْتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِـلَ
الْمَطِيِّ وأَمْضِي حَيْثُ لا حَيَّ مَاضِيَا

وأَنْحَرُ لِلشَّرْبِ الكِـرَامِ مَطِيَّتِـي
وأَصْـدَعُ بَيْـن القَيْنَتَيْـنِ رِدَائِيَـا

فيا راكباً – إمّا عرضتَ – فَبَلِّغَن
نداماي من نجـران أن لا تَلاقيـا

وكنْتُ إِذا ما الْخَيْلُ شَمَّصَهَا القَنَا
لَبِيقـاً بتَصْرِيـفِ القَنَـاةِ بَنَانِيَـا

وعادِيَةٍ سَوْمَ الجَـرَادِ وَزَعْتُهـا
بِكَفِّي وقـد أَنْحَـوْا إِلـيَّ العَوَالِيَـا

كأَنِّيَ لم أَرْكَبْ جَوَاداً ولـم أَقُـلْ
لِخَيْلِيَ كُرِّي نَفِّسِـي عـن رِجَالِيَـا

ولم أَسْبَاِء الزِّقَّ الرَّوِيَّ ولم أَقُـلْ
لأَيْسَارِ صِدْقٍ: أَعْظِمُوا ضَوْءَ نَارِيَا

الشاعر هدبة بن الخشرم

هدبة بن خشرم العذري من شعراء بادية الحجاز وهو شاعر فصيح مقدم وكان راوية الحطيئة وأكثر شعره ما قاله في أواخر حياته حين سجن وقبيل قتله

وكان هدبة قد قتل زيادة بن زيد العذري في خلاف نشب بينهما فقتل به قودا

وشعر هدبة في رويته وبديهته سواء عند الأمن والخوف لقدرته وسكون جأشه وقوة غريزته

أبن الخشرم شاعر الذي تعددت الروايات في أمر مقتله زمن معاوية بن أبي سفيان فقد قيل إنه نظم قصيدته وهو يُساق إلى القتل بعد قتله لزيادة بن زيد نحو سنة 50هـ/670م.

فقال راثياً نفسه مستخدماً صيغة المثنّى على عادة العرب:

ألا علِّلاني قبل نوح النوائحِ
وقبل ارتقاء النفس فوق الجوانحِي

وقبل غدٍ يا لهف نفسي على غدٍ
إذا راح أصحابي ولستُ برائحِي

إذا راح أصحابي تفيض عيونهمْ
وغودرتُ في لحدٍ عليَّ صفائحي

يقولون: هل أصلحتُمُ لأخيكُمُ
وما القبر في الأرض الفضاءِ بصالحِي

يقولون لا تبعد وهم يدفنوني
وليس مكان البعد إلا ضرائحي

الشاعر أبو فراس الحمداني

هو الحارث بن سعيد بن حمدان كنيته أبو فراس ولد في الموصل واغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس

و استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب و درس الأدب والفروسية ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم ووقع مرتين في أسر الروم وطال به الأسر وهو أمير فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله

كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة وهي حصن على الفرات

أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م وقد حمله الروم إلى القسطنطينية فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه وراسل الخصوم
وفي سنة (966) م تم تحريره

وفي سجنه نظم الروميات وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه

كان يعرف بشجاعته وكانت حياته زاخرة بالمتاعب وتميز شعره بالحزن الذي يسيطر على ذوي النفوس الأبية

رثى نفسه في أكثر من قصيدة وفي إحدى قصائده طلب من ابنته ألا يدركها الخوف إذا نادته ولم يلبِّ نداءها ..

أَبُنَيَّتي لاتَحزَني
كُلُّ الأَنامِ إِلى ذَهابِ

أَبُنَيَّتي صَبراً جَمي
لاً لِلجَليلِ مِنَ المُصابِ

نوحي عَلَيَّ بِحَسرَةٍ
مِن خَلفِ سِترِكِ وَالحِجابِ

قولي إِذا نادَيتِني
وَعَيَيتِ عَن رَدِّ الجَوابِ

زَينُ الشَبابِ أَبو فِرا
سٍ لَم يُمَتَّع بِالشَبابِ

الشاعر أبو الطيب المتنبي

احمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي وشهرته ابو الطيب المتنبي (303هـ-354هـ/915م-965م)

الشاعر الحكيم وأحد مفاخر الأدب العربي له الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة ومن علماء الأدب وأشعر الإسلاميين

ولد بالكوفة في محلة تسمى “كندة” واليها نسبته ونشأ بالشام ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس

وقال الشعر صبياً وتنبأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون

وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ (أمير حمص ونائب الإخشيد) فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه

ووفد على سيف الدولة ابن حمدان (صاحب حلب) سنة 337 هـ فمدحه وحظي عنده

ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه فلم يوله كافور فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه

وقصد العراق فقرئ عليه ديوانه

وزار بلاد فارس فمر بأرجان ومدح فيها ابن العميد وكانت له معه مساجلات

ورحل إلى شيراز فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي وعاد يريد بغداد فالكوفة فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه ومع المتنبي جماعة أيضاً

فاقتتل الفريقان وقتل أبو الطيب وابنه محسد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول (في الجانب الغربي من سواد بغداد) وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة وهي من سقطات المتنبي

هو الشاعر المكسور الذي لم يحقق الزمن طموحاته الكبيرة ومات مقتولاً على يد من هجاه

كان المتنبي وحيداً بلا أصدقاء ووجد في الموت دواء وتمناه في قصيدة أنشدها حين تطلع إلى وجود صديق وفيّ بجانبه وخاب مطلبه:

كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا
وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا

تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى
صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا

إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ
فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا

وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ
وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا

فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى
وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا

الشاعر ابن زريق البغدادي

أبو الحَسن علي بن زريق البغداديّ شاعرٌ عراقىّ ولد َ فى محلَّةِ الكَرْخ ببغدادَ .. وهو شاعرٌغريبٌ عجيبٌ .. بل إنَّه جعلَ الغرابة عنوانا له .. فهو غريْبٌ عن أهلِ الأدبِ والعارفين به .. فلم يُعرَفُ من سيْرتِه إلا اسْمُه .. وحتى ماعرفوه عنْ فقره وعنْ مرتع ِصباه وعن زواجِه .. والكثير ممَّا يتعلقُ به .. كلُّ هذا استنبطوه منْ قصيدته التي نحنُ بصدَدِها والتى لم نعرف له إلاها .. بل لم يروِ الناسُ له بيتاٌ واحِداً غيرها .. والأغرَب من هذا هو .. كيف يقولُ هذه القصيدة – التى تعَدُّ منْ عيون الشِّعْر العربى على مر العصور- ولم يشتهرْ بالشِّعر ولم يؤثر عنه قوله غيرها ؟! تأخذ ُهذه القصيدة في التاريخ الأدبي أسماء ثلاثة : عينية ابن زريق .. وفراقية ابن زريق ..

يرى النقاد أن قصيدة أبو الحَسن علي بن زريق البغداديّ التي وجدت في فراش موته كانت رثاء لنفسه حيث قال في بكائية مشهورة

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ

حتى قال

أَسْتَوْدِعُ اللَهَ في بَغْدَادَ لِي قَمَراً
بِالكَرْخِ مِنْ فَلَكِ الأَزْرَارِ مَطْلَعُهُ

وَدَّعْتُهُ وَبِوُدِّي أَنْ تُوَدِّعَني
رُوحُ الحَياةِ وَأَنِّي لا أُوَدِّعُهُ

وَكَمْ تَشَبَّثَ بِي يَوْمَ الرَّحيلِ ضُحَىً
وأَدمُعي مُستَهِلاتٌ وَأَدمُعُهُ

وَكَم تَشَفَّعَ في أَن لا أُفارِقَهُ
وَلِلضَّرُورَةِ حَالٌ لا تُشَفِّعُهُ

الشاعر تميم بن جميل السَّدُوسي التغلبي

تميم بن جميل خرج على الخليفة العباسي المعتصم بالله حيث اقام على شاطئ الفرات فالتفت العرب من حوله وعظم امره وكبرت شوكته

بعدما ادرك الخليفة العباسي عظم خطر جميل السدوسي وحتى لا يكبر ملكه ويتزايد خطره كتب إلى عامله مالك بن طوق فخرج إليه على رأس جيشا كبير فهزم اتابعه وشتت شمله وسقط جميل السدودسي اخيرا في الأسر

عاد الجيش العباسي إلى بغداد وهو يحمل جميل السدودسي وكان ذلك اليوم هو اليوم الأول من أيام العيد فأمر الخليفة العباسي بقطع رأسه جزاءا لما فعل

وبينما الجلاد ممسكا بسيفه ورقبة جميل بين السيف والنطع اراد المعتصم ان يرى جميل ماذا يقول وهو في لحظاته الأخيرة

تأمِّله المعتصم – وكان جميلاً وَسيماً – فأَحبّ أن يعلمَ أين لسانُه من منظره فقال: تكلّم يا تميم

فقال: إذا إذ أذِنتَ يا أمير المؤمنين فأنا أقولُ:

الحمدُ للَّهِ ” الذي أَحْسَنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَهُ وَبَدأَ خَلْقَ الإنسان من طينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالةٍ من ماء مَهِينٍ “

أيا أمير المؤمنين جبر الله بك صَدْعَ الدَّين ولمَّ بك شَعَثَ المسلمين وأوضحَ بك سُبُل الحقّ وأخمدَ بِك شِهَابَ الباطل إن الذنوبَ تخرس الألسُن الفصيحة وتُعْيِي الأفئدَة الصحيحة ولقد عظُمَتِ الجريرة وكبر الذنب وانقطعَت الحجّة وساءَ الظنّ فلم يبق إلا عفوُك وانتقامُك وأرجو أن يكون أقربهما مني وأسرعهما إلي أولاهما بإمامتك وأشبههما بخلافتك وأنت إلى العفو أقرب وهو بك أشبه وأليق الطويل

ثم قال قصيدته

أرى الموتَ بين السيفِ وَالنطْع كامناً
يُلاحظني من حيثما أتلفَّتُ

وأكبَرُ ظني أنكَ اليومَ قاتِلي
وأَيُّ امرئ ممّا قضَى الله يفلت

وأي امرئ يأتي بعُذْرٍ وحُجّةٍ
وسيفُ المنايا بين عينيه مُصْلَتُ

يعز على الأوس بن تغلب موقف
يسل علي السيف فيه وأسكت

وما جزَعِي مِنْ أن أموتَ وإنني
لأعلمُ أنَّ الموتَ شيءٌ موقَّتُ

ولكنّ خَلْفي صبْيةً قد تركتهم
وأكبادُهم من حَسْرةٍ تتفتَّتُ

كأني أراهم حين أنعى إليهم
وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا

فإنْ عشتُ عاشوا سالمين بغِبطةٍ
أذُودُ الرَّدَى عنهم وإن متُّ مَوَّتُوا

وكم قائلِ لا يبعد الله دارَهُ
وآخرُ جَذْلانٌ يسرُّ ويشمتُ

فتبسَّم المعتصم وقال: كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل اذهب قد وهبتُك للصَّبية وغفرت لك الصّبْوَة ثم أمر بفكّ قيودِه وخلع عليه وعقد له على شاطئ الفُرات.

الشاعر بدر شاكر السياب

عاش يتيماً وفقيراً ومريضاً وله قصائد رثاء كثيرة وأشهرها تلك التي كتبها حين أصيب بمرض عضال ونادر في العظام لا شفاء منه وأن منيته اقتربت فأفرد لمعاناته مع المرض ولسيناريو موته المتوقع الكثير من القصائد السوداوية والمثقلة بالألم والتفجع على أن قصيدة «المعول المجري» هي من بين أكثر قصائده تعقباً لصورة الموت وما يعقبها من مشاهد كابوسية:

لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء
خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي
وأوهامي
وأسفح نفسي الشكلى على الورق
سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق
ورغم الفقر أن يحيا
ويا مرضي قناع الموت أنت
وهل ترى لو أسفر الموت أخاف
ألا التكشير الصفراء والثقبين
حيث امتصت العينين
جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت
تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين
فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي
لقد كتبوا أساميهم على الماء
ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
وداعا يا صحابي يا أحبائي
اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء
ولا فهو محض اسم تبد بين اسماء
وداعا يا أحبائي

وفي قصيدة نسيم من القبر فقد نادى فيها أمه المتوفاة لتكون بجانبه في مصابه ورثى نفسه قائلاً:

نسيم الليل كالآهات من جيكورَ يأتيني
فيبكيني
بما نفثَتْهُ أمي فيه من وجدٍ وأشواقِ
تنفس قبرُها المهجور عنها، قبرُها الباقي..
على الأيام يهمس بي تراب في شراييني
ودوزد حيث كان دمي و أعراقي
هباء من خيوط العنكبوب و أدمع الموتى
إذا ادكروا خطايا في ظلام الموت ترويني
مضى أبد و ما لمحتك عيني
ليت لي صوتا
كنفح الصور يسمع وقعه الموتى هو المرض
تفك منه جسمي وانحنت ساقي
فما أمشي و لم أهجرك إني أعشق الموتا
لأنك منه بعض أنت ماضي الذي يمض
إذا ما اربدت الآفاق في يومي فيهديني

الشاعر الدكتور غازي القصيبي

د. غازي القصيبي كان لديه إحساس مفرط بسطوة الزمن كما كان للحزن والموت وقعهما في حياته

رثى نفسه في قصائد عدة ومنها قصيدة ناجى فيها ربه وخاطب ابنته هديل وهو يشعر بموعد اقتراب الأجل..

يا رب أنت المرتجى سيدي
أنر لخطواتي سواء السبيل

هديل بنتي مثل نور الضحى
أسمع فيها هدهدات العويل

تقول يا بابا تريث فلا
أقول إلا سامحيني.. هديل

الشاعر محمود درويش

له قصائد رثاء عدة وأشهرها قصيدة «جدارية» التي رثى فيها نفسه وهو على فراش المرض وقد تكون إحدى أكثر قصائد رثاء النفس تفجراً وصدقاً ونفاذاً إلى أسئلة الروح الإنسانية المثلومة وهي تواجه مأزق الموت عارية وعزلاء إلا من صرخة الكلمات المجردة

فهو يدرك حقيقة الزوال المادي للكائن الإنساني العائد مرة أخرى إلى أهله الترابي

وهو إذ يتخيّل موكب جنازته يخاطب مشيّعيه بالقول:

صبّوني بحرف النون
حيث تعبُّ روحي سورة الرحمن في القرآن
وامشوا صامتين معي على خطوات أجدادي
ووقع الناي في أزلي
ولا تضعوا على قبري البنفسج
فهو زهر المحبطين
يذكّر الموتى بموت الحب قبل أوانه
وضعوا على التابوت سبع سنابلٍ خضراء إن وُجدت
وبعض شقائق النعمان إن وُجدتْ

وننتقل للشعر الشعبي وقصائد رثاء النفس كثيرة ولكن سنعرض بعض المقتطفات

الشاعر الأمير سليمان التركي السديري

عندما أحس الأمير سليمان السديري بدنو أجله كتب قصيدة يوصي فيها ابنه فيصل نختار منها قوله:

أشوف دياني وقف لي على الباب
يبي الوفا مني ويطلب حسابه

ما ينّسي دينٍ تقفاه طلاب
الدين مايوفيه كثر الطلابة

يافيصل اودعك توديع من غاب
لا ترتجيه انه يجي من غيابه

غيبة دهر ماهي شهر عد وحساب
في مظلمٍ ينهال فوقي ترابه

ابيك لاتجزع وتفزع وترتاب
ان جاك من ينعي ويشلق ثيابه

عمر البكا مافاد حيٍ ولاثاب
لو سر غيرك كان سر الندابة

الشاعر مرشد البذال

الشاعر الكبير مرشد سعد البذال عندما كان في المستشفى وفي المنعطف الأخير من حياته أحس بدنو أجله وقال قصيدة طويلة منها:

ياحّول اشوف الحق جتني طروشه
جتني مطاليبه وانا منه منحاش

اليوم كن بداخل الصدر هوشة
مثل اختراش الريم في داخل الجاش

يالله عسى لطفك وعطفك نحوشه
ويالله بحسن الخاتمة عند الاقراش

دنياك لو تعطيك زين المعوشة
تالي سوالفها تعود على ماش

الشاعر حمد المسردي القحطاني

الشاعر المعروف حمد بن هادي المسردي القحطاني المتوفى عام 1412هـ فقد رثى نفسه بقصيدة طويلة عندما أحس بدنو أجله نذكر منها قوله:

اشوف الموت حيٍ في شليلي
ولو نفسي بعد يقرع نسمها

انا مني دنا الموت المزيلي
تمركز فوق الانفاس وكتمها

وانا حالي ثوى وانهد حيلي
وانا حالي لحى اللاحي لحمها

الشاعر عقلا العنزي

الشاعر عقلا الجويعان العنزي عندما اشتد عليه المرض وأدرك أنه سوف يوافيه الأجل المحتوم ولما زاره بعض جماعته للاطمئنان على صحته وبعد سلامهم عليه تناجوا فيما بينهم بأنه مريض وعليه علامات الموت وقد سمع تناجيهم وما دار بينهم من كلام فقال أبياتا يرثي نفسه بها ويذكرهم أن الموت حق حيث يقول:

هذا وديع الروح نوخ مفاجي
وقالوا شفيت وقلت والله مريضي

جتني سبور الموت ماهي مناجي
هذا النذير والايفيد الفضيضي

لاجا مليك الموت مالي ملاجي
عقب الغلا غديت مثل البغيضي

وان قدموني يم شين المهاجي
يقدا علي الثوب ماهو عريضي

في ظلمةٍ مااسمع كثير اللجاجي
ولاعاد ينفع نوحهم والجضيضي

إلى أن قال فيها:

يالله حسن الخاتمة هي مزاجي
زابنك عن نارٍ ملكها غليضي

في ماقفٍ كل الخلايق حراجي
والناس كلٍ مع طريقه يفيضي

الشاعر نمر السحيمي

الشاعر نمر منور السحيمي فقال هذه القصيدة بعد أن رأى في المنام أنه يموت وأن الروح تخرج منه وأنه يغسّل ويصلى عليه ويدفن ويسأل في قبره

وكتب قصيدته

وبعدها بفترة توفاه الله وهو شاب

حيث يقول:

جاني وانا في وسط ربعي وناسي
جاني نشل روحي مثل باقي الناس

مني نشل روحٍ تشيل المأسي
تشكي من ايام الشقى تشكي الباس

اثر الالم في سكرة الموت قاسي
ماهالني مثله وانا انسان حساس

جابوا كفن ابيض مقاسه مقاسي
ولفوا به الجسم المحنط مع الراس

وشالوني اربع بالنعش ومتواسي
عليه ومغطى على جسمي الباس

وصلوا علي وكلهم في مأسي
ربعي ومعهم ناس من كل الاجناس

ياكيف سوى عقبنا تاج راسي
وامي الحبيبية ويش سوى بها الياس

اسمع صدى صوت يهز الرواسي
قولوا لها لاتلطم الخد ياناس

قولوا لها حق وتجرعت كاسي
لا تحترق كلٍ يبي يجرع الكاس

اصبحت في قبرٍ ولابه مواسي
واسمع قريع انعولهم يوم تنداس

من يوم قفوا حل موثق الباسي
وعلي رد الروح صوتٍ بالاجراس

هيكل غريب وقال ليه التناسي
صوته رهيب وخلفه اثنين حراس

وقف وقال ان كنت يانمر ناسي
هذي هي اعمالك تقدم بكراس

ومن هول ماشفته وقف شعرراسي
وانهارت اعصابي ولا ارد الانفاس

ياليتني فكرت قبل انغماسي
بالغفلة اللي منتهاها بالافلاس

فزيت من نومي على صوت ناسي
واصرخ واقول الموت واحذر الناس

الشاعر راجح العجمي

الشيخ راجح سالم العجمي انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 2020 عن عمر يناهز السبعين عاماً وقد القى قصيدة قبل وفاته وكأنه يرثي نفسه فيها حيث قال رحمه الله

يا اهل العقول الزاكية كـان توحـون
أصـغـوا دقـايـق مـوجـزة واسمـعـونـي

واصحـوا وخلـوكـم مـعـي لا تسـجـون
ولا خـذت بعـض اوقاتكـم فاعذرونـي

كــل الـهــدف لـعـلـكـم تـسـتـفـيـدون
ولـيـا حـصـل مـنـي خـطـا وجـهـونـي

عــن الاخـــرة وأهـوالـهـا لا تغـفـلـون
وانـــا بـعــد مـــن فضـلـكـم ذكـرونــي

البـارحـة لـيـلـي هـواجـيـس وحـــزون
والــنــوم عــيّــا لا يــوالــف عـيـونــي

طرى علي المـوت والمـوت مضمـون
لا اقفـت عـن الدنيـا واهلهـا ضعـونـي

وقامـوا علـي بعـض المحبـيـن يبـكـون
وفــي المغسـلـة مـمـا عـلـي جـردونـي

وقامو على جسمي من الماء يصبـون
ثـــم ودعـونــي عـقــب مـــا كـفـنـونـي

وتـواعــدوا عـلــى الـجـنـازه يـصـلـون
وصفـوا وانـا تـو الامــام اعرضـونـي

ويوم انصرف وانا مسجـى ومركـون
فـارخــوا عـلــي اكتـافـهـم واحـمـلـونـي

ثـم اسرعـوا بـي فـي خطـاهـم يحـثـون
وتـعـالــمــوا بـجـنــازتــي وتـبــعــونــي

الـــى مـنــازل عـالــم مـــا يــدوجــون
مــن يــوم صـادتـهـم يـديــن المـنـونـي

دخلـتـهـا مـحـمـول والـنــاس يـمـشـون
وعـلــى مـشــارف مـنـزلـي نـزلـونـي

ثــم خلخلـونـي لاسـفـل القـبـر بـلـهـون
وارخــوا عـلــي الاربـطــة وادفـنـونـي

واقفوا وانا فـي باطـن الارض مدفـون
الله يـسـامـح كــــل مــــن سـامـحـونـي

وسمـعـت قــرع نعالـهـم يــوم يـقـفـون
و جتـنـي مـلائـكـة الـقـبـر واسـالـونـي

لـو يجتمـع عنـدي مـن النـاس ملـيـون
تــوحــشــوا مـــنــــي ولا ونــســونـــي

وامسيت في قبري بالاعمال مرهون
وحــال الـتـراب وصـفـة الـلبـن دونــي

وتــوافــدوا عــلــى مـحــلــي يــعـــزون
وزارونـي الأصحاب مــا حصلـونـي

العـلـم غـيـر العـلـم لــو كــان يــدرون
لا غـيـرت الأجداث شكـلـي ولـونــي

وأعظم مصيبة لا انكشف كل مكنـون
في موقف ما أحد علـى أحد يومونـي

تكـفـون يــا واعـيـن الألباب تـكـفـون
تـوبـوا قـبـل يـــوم الـنــدم و الغـبـونـي

إعداد وتحرير وجمع وبحث من مصادر الكتب
الباحث والإعلامي
ناصر بن حمد الفهيد الأسعدي
تويتر