قصة قصيدة يا عابد الحرمين

قصة قصيدة يا عابد الحرمين

كلمات و قصة قصيدة يا عابد الحرمين مكتوبة



من القائل يا عابد الحرمين لو أبصرْتَنا ؟ القائل هو العالم المجاهد عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي

قصة القصيدة

هذه القصة رواها الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق»، والحافظ ابن كثير في «تفسيره»، والحافظ الذهبي في «سير أعلام النبلاء».

أرسل الفضيل بن عياض أحد أعلام أهل السنة في القرن الثاني الهجري والملقب بـ «عابد الحرمين» رسالة إلى العالم عبد الله بن المبارك ينصحه فيها أنَّ العبادة أفضل من كل شيء حتى الجهاد في سبيل الله

فرد عليه ابن المبارك بأبيات جميلة

قال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة البهراني من كتابه بحلب سنة 236هـ، قال:

أملى عليَّ عبدالله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته بالخروج للحج، وأنفذها معي إلى الفضيل- يعني ابن عياض- وذلك سنة 179هـ والابيات هي :

يا عابدَ الحَرَمينِ لوْ أبصرْتَنا
لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ

مَنْ كان يَخْضِبُ جيدهُ بدموعِهِ
فَنُحُورُنا بِدِمَائِنا تَتَخَضَّبُ

أو كان يُتْعِبُ خيلَهُ في باطلٍ
فخيولُنا يومَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعبُ

رِيْحُ العَبِيْرِ لكمْ ونحنُ عبيرُنا
رَهْجُ السَّنابكِ والغبارُ الأطْيبُ

ولقد أتانا مِنْ مَقالِ نبيِّنا
قَوْلٌ صحيحٌ صادقٌ لا يُكْذَبُ

لا يَسْتَوِي وغُبارُ خَيْلِ اللهِ في
أَنْفِ امرئٍ ودُخَانُ نارٍ تَلْهَبُ

هذا كتابُ اللهِ ينطِقُ بَيْنَنا
ليس الشَّهيدُ بميِّتٍ لا يُكْذَبُ

هذه القصيدة قصة تدل على تعظيم السلف الصالح للجهاد في سبيل الله، وأنه أعظم العبادة.

من هو عبد الله بن المبارك

هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، المروزي مجاهدٌ, تاجرٌ, شيخُ الإسلام, صاحبُ التَّصانيف والرِّحلات, أفنى عمره في الأسفار حاجّاً ومُجاهداً وتاجراً, جَمَعَ الحديثَ والفقهَ والعربيّةَ وأيَّامَ النَّاس والشَّجاعةَ والسَّخاءَ, كان مِن سُكَّان خُرَاسَان، ومات بـ (هِيْت) على الفُرات مُنصرفاً مِن غَزْوِ الرّوم. له كتاب الجهاد, وهو أوّلُ مَنْ صنّف فيه, والرقائق في مُجلّد ( أيْ الزّهد )”.

ولد بمرو من مدن خراسان سنةَ 118هـ ومات سنة 181هـ أيْ مات وعمره 63 سنة

و( هيتُ ) بلدةٌ على الفرات من نواحي بغدادَ فوق الأنبارِ ذاتُ نخلٍ وخيراتٍ واسعةٍ, وبها قبرُ عبدِ اللهِ بنِ المبارك

وكتاباه ( الجهاد) و( الرقائق) كتابان نفيسان عظيمان مطبوعان, والثَّاني منهما مذيّلٌ بالرَّقائق بتحقيقٍ فريدٍ للعَالِم حبيبِ الرَّحمنِ الأعظميِّ .

حياة عبد الله بن المبارك

كان والده “المبارك بن واضح” يعمل حارسًا في بستان، وكان يتصدق بثلث أجرته، وكان نعم العامل المؤتمن على عمله، حدث أن جاء صاحب البستان يومًا ومعه ضيف، وقال للمبارك: (أريد رمانًا حلوًا)، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانًا، فكسره فوجده حامضًا، فغضب عليه.

وقال: (أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلوًا)، فمضى وقطع من شجرة أخرى، فلما كسرها وجده أيضًا حامضًا، فاشتد غضبه عليه، وفعل ذلك مرة ثالثة، فذاقه، فوجده أيضًا حامضًا.

فقال له بعد ذلك: (أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟)، فقال: (لا)، فقال: (وكيف ذلك؟)،

فقال: (لأني ما أكلتُ منه شيئًا حتى أعرفه)، فقال: (ولِمَ لَمْ تأكل؟)، قال: (لأنك ما أذنتَ لي بالأكل منه)، فعجب من ذلك صاحب البستان، وسأل عن ذلك فوجده حقًّا، فعظُم المبارك في عينيه، وزاد قدره عنده، وكانت له بنت خُطبت كثيرًا، فقال له:

(يا مبارك، مَن ترى تزوَّج هذه البنت؟)، فقال: (أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمة للدِّين)، فأعجبه عقله، وذهب فأخبر به أمها، وقال لها: (ما أرى لهذه البنت زوجًا غير مبارك)، فتزوجها، فجاءت بعبد الله بن المبارك.



قصة توبة عبدالله بن المبارك

إحدى القصص الشهيرة عن توبته تتحدث عن شبابه، حيث كان يعيش حياة اللهو والمتع الشابة قبل أن يصبح عالمًا دينيًا. تقول الرواية إنه في إحدى الليالي وهو شاب، كان عبد الله بن المبارك يحاول التسلل إلى منزل امرأة يحبها، وفي طريقه سمع قراءة القرآن من إحدى البيوت، حيث كان يُتلى قول الله تعالى: “ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله”. تأثر عبد الله بن المبارك بالآية بشدة، وشعر كأن الآية نزلت خصيصًا له، فتاب وعزم على ترك طريق اللهو والغفلة والتوجه نحو العلم والعبادة.

بعد ذلك، أصبح عبد الله بن المبارك واحدًا من أعظم علماء عصره، مشهورًا بعلمه وزهده وجهاده. وهو معروف بتصانيفه العديدة ورحلاته في طلب العلم والحديث، وكذلك بمشاركته في الجهاد على الثغور الإسلامية. قصة توبته ملهمة للكثيرين وتُظهر كيف يمكن للإنسان أن يتغير ويتوب بإخلاص ويصبح من الصالحين العاملين في سبيل الله.

طلبه للعلم ووصوله لأعلى الرتب

تتلمذ على كتب الحديث، وكان يحفظ الحديث بالآلاف، وهذا من أسرار العظمة “الحفظ الشديد، والإرادة الجبارة”، وغطى جوانب الكمال:

قال بعض الفضلاء عنه: (لو قيل لي اختر رجلًا بعد الصحابة اجتمعت فيه الفضائل لاخترت ابن المبارك).
تفقه “ابن المبارك” على يد “أبي حنيفة”، فتعلَّم منه وعلّمه، واختلف معه في بعض المسائل و “ابن المبارك” أعلم من “أبي حنيفة” في الحديث، و”أبو حنيفة” أعلم من “ابن المبارك” في قضية الرأي والعلم، ويعذرون بعضهم البعض، وقد حدثت قصة طريفة ذات مرة وهي:

أنّ “أبا حنيفة” صلى وعلى يمينه “ابن المبارك”، فرفع “أبو حنيفة” يديه في التكبير عاليًا مرة واحدة، أما “ابن المبارك” فكان يرفع يديه في الركوع والسجود، فلمّا سلّم “أبو حنيفة” قال له “ابن المبارك”: (خشيت عليك أن تطير من رفعتك هذه)، فقال “أبو حنيفة”: (وأنا أيضًا خشيتُ عليك أن تطير، لأنك ترفرف كطير يرفرف بجناحيه)، فضحك الاثنان وأعذرا بعضهما.

قال “النسائي”: (لا نعلم في عصر ابن المبارك أجلّ من ابن المبارك، ولا أجل منه ولا أجمع لكل خصلة محمودة منه).
اجتمع جماعة مِثل “الفضل بن موسى”، و”مخلد بن الحسين”، فقالوا: (تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير)، فقالوا: (العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام فيما لا يَعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه).

جاء “سفيان الثوري” ومعه عالم آخر، لوداع ابن المبارك، فلما مشا “ابن المبارك” قال أحد العلماء الواقفين: (هذا عالم أهل المشرق)، فغضب “الثوري” وقال: (هذا عالم أهل المشرق وأهل المغرب).

مكانة عبد الله بن المبارك

قدم الخليفة “هارونُ الرشيد” الرَّقَّةَ، ومعه موكبه المهيب، وقدم عبد الله ابن المبارك مع تلاميذه، فانجفل الناس خلف ابن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولدٍ لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فقالت: (من هذا؟) قالوا: (هذا عالم خراسان قدم)، قالت: (هذا – والله – المُلك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَط وأعوان).

قال “سفيان الثوري”: (إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام).

قال “سفيان بن عُيينة”: (نظرت في أمر الصحابة، وأمر عبد الله، فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وغزوهم معه).

خصال وكرم عبد الله بن المبارك

كان ينفق على كل أهل خراسان، كانت أمواله تطوف على فقراء خراسان ومساكينهم، وكان أهل خراسان إذا خرج ابن المبارك، يبكون كلهم من أطفال ونساء، حتى قال شاعرهم:

إذا سار عبد الله من مرو ليلة
فقد سار منها نجمها وهلالها

إذا ذكر الأخيار في كل بلدة
فهم أنجم فيها وأنت هلالها

عاتبه بعض العلماء حول اشتغاله بالتجارة، فقال لهم:

(والله لولاكم ما اشتغلت بالتجارة!)

ويقصد أنه أراد أن يكسب العلم وينفق على العلماء

فكان يعطي لسفيان الثوري (10,000) درهم في كل عام، وكان يعطي هدايا لكبار العلماء.

قال “علي بن الحسن بن شقيق”:

إذا كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مَرْوَ، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مَرْوَ إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
فيقول لكل واحد: (ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرَفها؟)
فيقول: (كذا وكذا).
ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضَوا حجهم، قال لكل واحد منهم:
(ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟)
فيقول: (كذا وكذا)، فيشتري لهم.
ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مَرْوَ، فيجصص بيوتهم وأبوابهم
فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمةً وكساهم، فإذا أكلوا وسُرُّوا، دعا بالصندوق، ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه، فيقولون:
(كيف وقد أنفقنا أموالنا في الحج؟)
فيقول:
(أما سمعتم في الحديث: أنه يبارك للحاج في نفقته؟).

وكان يطعم الناس من الفالوذج: (نوع فاخر من الحلوى من الدقيق والماء والعسل)

خرج مرةً إلى الحج، فلما وصل إلى الكوفة، وكان فيها فقر شديد، وكان معه (12) جملًا يحملون دجاجًا مشويًا، فرأى جارية قد خرجت من دار، وذهبت إلى المزبلة فأخذت طائرًا ميتًا، فأرسل خلفها رجلًا يتثبت أمرها، فقالت:
(والله مالنا من طعام منذ 3 ايام إلا ما يلقيه المسافرون في هذه المزبلة)
فبكى بكاءًا شديدًا، وقال:
سبحان الله! نأكل الفالوذج وغيرنا يأكل الطيور الميتة؟
فأمر برد الأحمال على أهل الكوفة وقال:
(هذا أفضل من حجِّنا في هذا العام)
ثم رجَع، وهذا من عظيم فهمه للفقه
فلما وصل إلى خراسان، ونام في أول ليلة من وصوله سمع مناديًا ينادي:
(حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور).

جهاد عبد الله بن المبارك

قال “عَبدة بن سليمان المروزي”:

(كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفانِ، خرج رجل من العدو، فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل، فقتله، ثم آخر، فقتله، ثم آخر، فقتله، ثم دعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل.

فطارده ساعةً، فطعنه، فقتله، ثم خرج له رجل ملثم، فبارزه ساعة فقُتِل الرومي فهجم عليه الروم، فقتل منهم سبعة

فازدحم إليه الناس، يريدو أن يعرفوه فما استطاعوا، فأرسل القائد خلفه ليعرفه، فقال الرجل: (إنّ قائدنا يريد أن يعرفك)؟

فقال: (لا أريد أن يعرفني لأن الله يعرفني)، فنظرتُ، فإذا هو عبد الله بن المبارك.

وفاة عبد الله بن المبارك

توفي رحمه الله عام (181 هـ)

وحين حضرته الوفاة، جلس أحدهم إلى جانبه

وأخذ يقول له: (قل لا إله إلا الله، وأكثر عليه)

فالتفت إليه ابن المبارك وهو على فراش الموت وقال له:

إذا لقنت المحتضر لا إله إلا الله، فلا تعيدها عليه، إلا إذا تكلم بكلام أو أغمي عليه فلقنه مرة أخرى حتى يكون آخر كلامه لا إله إلا الله ولولا أني أخشى أن تؤذي أحدًا بعدي ما قلت لك ذلك