قصة وقصيدة غريسة الهلالية

قصة وكلمات قصيدة غريسة الهلالية

قيل أن زيد بن ساير….افتتن بفتاة من بنات شيوخ العرب يقال لها (غريسه)

فكان يتم اللقاء بينهما واستمر ذلك لمدة ثماني سنين

وذات ليلة جاء إليها على عادته فجرا بينهما من الإنس ما لا مزيد عليه فلما مضى من الليل ثلثاه

قالت له: اسر إلى أهلك حتى لا نهلك أنا وأنت

فقال:ليس بعد فألحت عليه بالذهاب ثلاث مرات ولم يطعها فغلب عليهم النوم إلى أن طلعت عليهما الشمس

وإذا أبوها وإخوتها يقفون عليهما فيقتلون زيداً حالاً

أما (غريسه) فأراد أخوتها التعزير فيها كونها جلبت فضيحةٍ عليهم فقاموا بقطع إحدى رجليها

وبعد سبعة أيام قطعوا الثانية

فقالت وهي تلهج في ذكر (زيد) وتتأوه عليه حتى ماتت”

وجاء عند منديل الفهيد في الجزء الثاني من سلسلة من آدابنا الشعبية: قصص وأشعار نساء العرب”

هذه أبيات قديمة أحد يقول إنها من بني هلال حيث لم يدون لهم تاريخ وأحد يقول إنها من بادية أهل الشمال والموضع الذي ذكرت اسمه هدانيه هو منهل ماء ترده البادية بقرب السلمان على الحدود السعودية- العراقية والفتاة لها معشوق اسمه زيد والكثير يذكر اسم زيد وعمر كنية إخفاء للاسم وأحد يقول إن اسمه الصحيح (ساير)

ثم يذكر أحداث اكتشافها من قبل أخيها الذي وجدها مع ساير نائمين فأمر على العرب بالشديد لإخفاء الأمر وقتل ساير المذكور بالفراش.. وقطع رجل غريسه وتركها عند القتيل تعذيباً ويرعى عليها كل يوم يقطع منها عضواً

وقد قيل إن القصيدة وجدت منقوشة بالحجر بالموقع المذكور”

وفي روايات أخرى هناك من يؤكد أن أهل زيد وجدوا القصيدة على الحجر فانتقموا لابنهم.

كلمات القصيدة

تقول غريسه زينت القول والنبا
فجاني زماني والمقدر دهانيه

تهاويت مع زيدٍ وطابت ليالنا
ثمان سنينٍ في طرابه ومانيه

هواني وهاويته على الانس والرضا
وقطفنا ثمر ما لاق والنفس فانيه

ياليت زيدٍ طاعني يوم اقول له
اسر وكل الناس بالنوم هانيه

ولا طاعني والامر ما فيه حيله
غشى زيد حلو النوم وانا غشانيه

ولا دريت الا ان زيد ضحيه
نعيته ولو هو حي عندي نعانيه

فلما اقطعو رجلي تراكيت بالعصا
على جال قبره وقلت ما جاه جانيه

بعد ما اقطعوا الاخرى تدربت جثتي
على قبر زيد وقلت هذا مكانيه

عفا الله عن زيدٍ عشيري ذنوبه
لو كان في حوض المنيه رمانيه

يا حافرين القبر وسع جوانبه
على جانبٍ من زيد لاتبعدانيه

لي مقصدٍ فيما اقوله بخاطري
ابا الحيا لابل زيدٍ سقانيه

اوصيك يا نقر الصفا لا تغرني
وان جو عريبٍ واردينٍ هدانيه

يا مدورت زيدٍ ترى زيد عندنا
ذبيحٍ لعامر في حضن كل جانيه

ترا عامرٍ توخذ به البل والغنم
وزيدٍ فلا يكفيكم الا ثمانيه

ابوي وخواني وعمي وعزوتي
وذبح الشفايا في عشيري هنانيه

ولا مت ما سايلت عن وابل الحيا
ولا من حفر قبري ولا من رثانيه

وفي دراسة نقدية للقصيدة كتبها الاستاذ سعد الحافي في جريدة الرياض ويقول

تراث الشعوب غني بالقصص الأسطورية التي تكون في أصلها أحداثاً وقعت بالفعل ولكن الرواة وتباعد السنين يساعد في تحويرها وتضخيمها وإدخال عليها ما ليس فيها وهذه الزيادات لها أهداف كثيرة منها ترسيخ مفاهيم أو قيم مجتمعية وبث رسائل متعددة وبالتالي نتعاطى معه كأدب راق في غرضه الإنساني ولكن هنا سنقتصر على دراسة النص الشعري لمحاولة الوصول لحقيقته ودلائله حيث لا يجب أن نسلم بصحة جميع ما يصل إلينا فعند المقارنة بين رواية الربيعي ورواية منديل الفهيد فإننا نخرج بعدة حقائق منها:

أولاً- أن هناك قصة حقيقية متداولة عن فتاة اسمها غريسه أحبت شاباً اسمه زيد بن ساير ومن يقول إن زيد هو رمز استخدم للتمويه عن الاسم الحقيقي فأقول ليس بعد القتل إخفاء خاصة والنص الشعري فيه ما يؤكد أنه اسمه عند قبيلته:

يا مدورت زيدٍ ترى زيد عندنا
ذبيحٍ لعامر في حضن كل جانيه

ثانياً- أن الفتاة غريسه وعشيقها زيد قد انفضح أمرهما عند أهلها فقام أخوها عامر بقتل زيد والتنكيل بها حتى الموت وكان ذلك على مورد ماء (هدانية) في شمال الجزيرة العربية.

ثالثاً- أن الاعتراف بحقيقة القصة لا يلزم منه الاعتراف بحقيقة نسبة النص الشعري إلى غريسه ومما يقوي الشك في ذلك:

1- ان النص تضمن دلالة على أن الأبيات نقشت على حجر:

أوصيك يا نقر الصفا لا تغرني
وان جو عريبٍ واردينٍ هدانيه

فالبادية في تلك القرون السابقة يندر أن يوجد بها من يتقن القراءة والكتابة من الرجال فما بالك بالنساء.

2- أن وقت كتابة النص حسب دلالة القصة ودلالة النص كان بعد قطع رجليها ولغة النص وأسلوبه لا يدل على معاناة من يكون في هذه الحال:

هواني وهاويته على الانس والرضا
وقطفنا ثمر ما لاق والنفس فانيه

فمما سبق يرجح لدي أن النص كتب على لسان غريسه سواء ممن وقف على قصتها فأراد أن ينتقم لها أو من شخص متأخر تأثر بالقصة فأراد أن يحفظ القصة من الاندثار من خلال ربطها بنص شعري يسهل حفظه وتناقله بين الأجيال ويقوي ذلك اتفاق سياق النص الشعري مع سياق القصة.

فعند قراءة النص نجد أن الشاعرة بدأت ممتدحة نظمها للشعر وشاكية من مفاجآت الليالي وكيف أنها وقعت في غرام زيد وبادلها الحب فاستمرت ليالي اللقاء والأنس مدة ثماني سنوات، ثم تذكر كيف تم آخر لقاء بينهما عندما غشيهما النعاس وتتحسر على أن زيد لم يأخذ بنصحها له بالذهاب قبل أن يأتي الصباح فيشعر به أهلها وكيف أنها أفاقت على زيد مقتولاً بيد أخيها عامر ثم بعد ذلك قطعهم لرجلها وبقائها بجوار قبر زيد ثم قطعهم لرجلها الأخرى وإيقانها بالموت فتدعو أن يغفر الله لزيد ذنوبه وتوصي من يحفر القبر ان يوسع جوانبه من جهة زيد من أجل أن يصب عليها ماء المطر من جهة زيد، ثم توصي الحجر الأملس أن يحفظ لها ما نقشت عليه إلى حين تأتي مجموعة صغيرة من العرب لتستقي من مورد (هدانية) وأن من يبحث عن زيد عندما يقرأ هذا النقش سيعرف أن عامر قد قتله ولا يكتفي بقتل عامر الذي يرضى فيه أهله أن يقدم لهم الإبل والأغنام، أما زيد فإن عليهم أن لا يرضوا فيه إلا بقتل ثمانية من أهلها استيفاء في دمه وتحدد أبيها وأخوتها وعمها وأقربائها ثم تختم قصيدتها بأنها إذا ماتت لم يعد همها هطول المطر أو من يحفر لها قبرها أو يرثيها.