قصة قصيدة يا من هواه أعزه وأذلني

قصة و كلمات قصيدة يا من هواه أعزه وأذلني من سلسلة قصص سالفه وقصيده من الحياة قديمة مكتوبة بالعربية

قصيدة يا من هواه أعزه وأذلني قصيدة من أشهر القصائد المغناة للشاعر العماني سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي ثاني حكام الدولة البوسعيدية المولود في عام 1774 والمتوفى بمرض الجدري سنة 1821

الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي شخصية عظيمة من أئمة عمان، الذين امتازوا بفصاحة لسانهم، والذي وصفه حميد بن محمد بن رزيق في كتابه الفتح المبين بقوله:” كان الإمام سعيد هذا شجاعًا شهيرًا فصيح اللسان ناظمًا للشعر، عارفًا بمعانيه وبيانه، مميزًا بين الشعر البذيء والشعر الحسن، وإذا تحدث لا يمل من حديثه إذ أكثره حكم”.

عن حياته

الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي ثاني أئمة البوسعيد في عمان. بويع بالإمامة بعد وفاة أبيه الإمام أحمد بن سعيد عام 1198هـ. في ذلك الوقت حاول العديد من الزعماء عزله وتنصيب أخيه قيس، لكن فشلوا في ذلك، ومن أكثر المعارضين على إمامته أخواه سيف وسلطان، ولم تكن معارضتهما له حديثة وإنما منذ زمن والدهما عندما جعله واليًا على بركاء. وكما ذكر السالمي في كتابه تحفة الأعيان “لم يعدل في ملكه ولم يرض المسلمون عنه” وعندما شعر باختلاف القبائل عليه، أشرك ابنه حمد في إدارة دولته وعينه نائبًا له في مسقط، ولابنه حنكة عظيمة كما وصفه ابن رزيق “داهية من دواهي العرب”.

اتخذ الإمام سعيد بن أحمد الرستاق عاصمة له، وبنى فيها حصن المنصور، الذي يعد بصمة معمارية عريقة للإمام باقية إلى يومنا هذا.

الإمام سعيد شاعرًا

لقد كان الأدب العماني من أبرز الروافد في الحضارة الفكرية والأدبية، وأسهموا بشكل كبير في تقدم الحياة الأدبية، وذلك يعود إلى حرص الأئمة على التعليم والجانب الأدبي منذ العهد القديم.

يُعد الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد من أبرز الشعراء في تلك الفترة، ولا تزال أشعاره إلى يومنا الحاضر، ومن أهم الكتب التي ذكرت فيها شعره كتاب (تحفة الأعيان) و ( شقائق النعمان) وغيرها من الكتب التي أرخت ذلك.

يمتاز شعر الإمام سعيد بن أحمد بالإبداع المتناهي، وإن شعره فريد من نوعه ؛ لما يحمله من معان مؤثرة تترك إحساسًا في نفس القارئ، ويعني ذلك أن القارئ يشعر بما في نفس الشاعر من خلال الكلمات التي يسطرها في أسطر معدودة، إلى جانب ذلك تمتاز أشعاره بالكلمات البسيطة والبعيدة عن الغموض.

وينسب البعض خطأ قصيدة «يا باخلا بالوصل» لشعراء من اليمن، فيما الحقيقة هي أن صاحبها هو الإمام سعيد بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، وقد ثبتَ أنّ الإمام سعيد البوسعيدي كان شاعراً لبيباً فصيح اللسان، وعارفاً بمعاني الشعر وبيانه، وقادراً على التمييز ما بين الركيك والحسن منه، على الرغم من أنه كان مقلاً لم يكتبْ سوى قصائد معدودة. من أشهر هذه القصائد على الإطلاق قصيدة «يا باخلا بالوصل»، التي لا يُعرف تحديداً من هي المقصود بها أي من هي تلك المرأة التي أحبها فخانته وغدرتْ به فجعلته ينظم قصيدته الخالدة

يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني
وتركتني حيران صبًا هائمًا
أرعى النجوم وأنت في نوم هني
عاهدتني أن لا تميل عن الهوى
وحلفت لي يا غصن أن لا تنثني

أبيات يتغنى بها الكثيرون في وقتنا الحاضر، وتتراقص كلماتها في ألسنتهم، لكن يجهل بعضهم من صاحب هذه الأبيات ذات المعاني الجياشة، ولا يعلمون أن هذه القصيدة من أشهر الأبيات التي قالها الإمام سعيد بن أحمد، وهي أبيات غزلية اختلف الرواة في مناسبتها.

قد أوْلَت هذه القصيدة اهتمامًا بالغًا من الكثير حيث نراها تارةً أدّيتْ كأغنية ملحنة، وتارة أخرى نراها بين سطور المقتبسين، وإضافة على ذلك قام أحد الشعراء بكتابة رد عليها على لسان المرأة المعنيّة.

إلى جانب آخر للإمام والشاعر سعيد قصيدة في رثاء ابنه حمد، تحمل معاني مؤثرة، ترجم الشاعر من خلالها حزنه ولوعته الذي سكن قلبه آنذاك، ومطلعها:

وافا حمامك يا حبيبي بالعجل
نار تلهب في ضميري تشتعل
يا من له شرف وفضل في الورى
أمسى وحيدًا مفردًا دون الأهل
الله أكبر من مصاب عمنا
همًا وغمًا لا يبيد ولا يفل
حمد حوى المجد الشريف تغيرت
أيامه قد كان يضرب بالمثل

والكثير من القصائد التي يجب علينا أن نتعلمها ونعلمها أبناءنا حتى تبقى خالدة، وأن نفخر بمثل هذه الشخصيات العظيمة ونفاخر بها كونها تحمل الرسائل والمعاني من خلال أبيات وقصص يسطرونها لنا؛ فهذا الفكر والإبداع الذي نراه ونقرأه في كتب التاريخ يعد قدوة لنا، وعلينا جميعًا أن نسلك هذا الطريق ونعتز بلغتنا الأم.

والعشق في المجتمعات الشرقية المحافظة يتسبب في إذلال صاحبه، وربما دفعه إلى الجنون والهلاك على نحو ما حدث مع المجنونين قيس بن الملوح وقيس بن الذريح الشهيرين بمجنون ليلى ومجنون لبنى على التوالي. فعلى الرغم من ادعاء البعض بأن ما ينطوي عليه العشق ليس إذلالاً وإنما تضحية وعطاء وتنازل يبرهن به العاشق على صدق عشقه. فقد قيل إن الجنون فنون والعشق فن من فنونه.

وفي السياق ذاته قال بعض العشاق: «قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم العشق أعظم مما بالمجانين، العشق لا يستفيق الدهر صاحبه وإنما يصرع المجنون في الحين». وقد عكس غوار الطوشة (دريد لحام) هذا في إحدى مسرحياته حينما قال: «يييه.. يضرب الحب شو بيذل». وفي الأدب العربي يمكن العثور على آلاف الأبيات الشعرية التي تصف لوعة العاشق وما يلاقيه من كمد وقهر وإذلال على يد محبوبته. ومن يستمع إلى الغناء العربي الذي كان سائداً في النصف الأول من القرن العشرين، على وجه الخصوص، وبطلا هذا الغناء هما محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، يلفته ورود عبارات «الذل» و«التذلل» في مخاطبة الحبيب. فالمحب يبذل نفسه حتى التهلكة من أجل أنْ يَرضى الحبيب عنه، ويستحضرنا صرخة أم كلثوم «عزة جمالك فين.. من غير ذليل يهواك» في أغنيتها «يا اللي يشجيك أنيني».

على أنّ قصيدة «يا باخلا بالوصل» تظل، دون شك، واحدة من أجمل قصائد عتاب المحبين وأقواها، وأكثرها صرامة لجهة لوم العاشق لمعشوقته على إذلالها له. والقصيدة قديمة نُظمت في القرن 18 الميلادي، وقرأها ورددها الكثيرون، وغناها العديد من مطربي الصوت الخليجي ابتداء من ضاحي بن وليد في البحرين وانتهاء بمحمد علي سندي في الحجاز، ولقد شدتْ هذه القصيدة اهتمام الكثيرين، وخصوصاً بعدما لحنها الموسيقار الكويتي الراحل يوسف الدوخي كصوت خليجي نابض بالإيقاعات الجميلة، وأداها شقيقه الفنان الراحل عوض الدوخي بصوته الرخيم الساحر، كما استخدم مطرب القدود الحلبية السوري صباح فخري مطلعها كموّال في بعض أغانيه.

نص قصيدة «يا باخلا بالوصل»

يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني

وتركتني حيران صباً هائماً
أرعى النجوم وأنت في نوم هني

عاهدتني أنْ لا تميل عن الهوى
وحلفت لي يا غصن أن لا تنثني

هبّ النسيم ومال غصنُ مثله
أين الزمان وأين ما عاهدتني

جاد الزمان وأنت ما واصلتني
يا باخلاً بالوصل أنت قتلتني

واصلتني حتى ملكت حشاشتي
ورجعتَ من بعد الوصال هجرتني

الهجر من بعد الوصال قطيعة
يا ليت من قبل الوصال تركتني

أنت الذي حلفتني وحلفت لي
وحلفت أنك لا تخون فخنتني

لما ملكت قياد سرى بالهوى
وعلمت أني عاشق لك خنتني

ولأقعدن على الطريق فاشتكي
في زي مظلوم وأنت ظلمتني

ولأشكينك عند سلطان الهوى
ليعذبنك مثل ما عذبتني

ولأدعين عليك في جنح الدجى
فعساك تبلى مثل ما أبليتني