قصة قصيدة واحر قلباه

قصة وكلمات قصيدة واحر قلباه من سلسلة قصص سالفه وقصيده من الحياة قديمة مكتوبة بالعربية

قصيدة واحر قلباه ممن قلبه شبم للشاعر ابو الطيب احمد المتنبي

عرف ابو الطيب احمد المتنبي في شعره بمدح الامراء والملوك، ومدح كثيرا “سيف الدولة الحمدانى” الذي كان يحبه كثيرا وكانت علاقتهما ببعض قوية جدا مع المتنبي و لكن بسبب بعض الوشاة اصيبت هذه العلاقة ببعض الفتور وحدث بينهما بعض الجفاء.

فقال المتنبي قصيدة لسيف الدولة الحمداني معاتبا اياه فيها بما كان بينهما من اواصر وما يكنه له الشاعر من حب علما ان المتنبي لا يفعل هذا في ذل او خضوع ولكنه يعاتب في كبرياء و عزة وكانت قصيدة طويلة تضمنت بيته الشهير:
“الخيل والليل والبيداء تعرفني..والسيف والرمح و القرطاس و القلم”.

وكان يفسر دوما على انه اعتزاز وفخر بنفسه فبعد ان قال القصيدة لم يتحمل لامبالاة سيف الدولة له فهاجر الى مصر و مدح حاكمها كافور الاخشيدي ولكنه لم يلقى منه اي ردة فعل اي انه تجاهله فقام المتنبي بذمهم في قصائده وقرر العودة الى الكوفة وهو في طريق العودة تعرض له الحكام الذين هجاهم لينتقموا منه بسبب هجوه وقتلوه.

تعتبر قصيدة واحر قلباه واحدة من أشهر قصائد المتنبي وأجملها، وقد نالت شهرة واسعة لما حوته من جميل اللفظ والمعاني والعبارات

من هو المتنبي؟

أبو الطيب المُتنبِّي، اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكنديّ الكوفيّ، فهو جعفي؛ لأن جده الجعفي هو ابن سعد العشيرة من مَذْحج، من كهلان، من قحطان، وبنو الجعفي قبيلة مذحجية يمنية مشهورة، وهو الكندي فيقال: لأنه ولد بـمنطقة تُدعى كِنْدَة؛ وهي منطقة سُكّانها الكِنديون الذين قدموا من اليمن عند فتح الكوفة، وهو بحق سليلهم، ومن أحفادهم، كما يتغنَّى بذلك في أشعاره بانتمائه إلى اليمن، وإلى الافتخار بحضارة حمير، ومنه قوله:

وما البحر في البر إلا نداك

وما البأسُ في الناس إلا اليمن

وفي العديد من قصائده -وبالذات التي ألقاها في بداية حياته- يدلل على عصبية يمانية، فأكثر ممدوحيه من قبائل يمانية.

وهو الكوفي؛ لأنه ولد في الكوفة ونشأ فيها وإليها نُسِبَ، عاش بين الأعوام (303هـ – 354هـ) (915م – 965م).

أما لقبه شاعر العرب، أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تـمكُّناً من اللغة العربية، وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب بعد الإسلام، فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء، وهو شاعرٌ حكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي.، وهو شاعر عباسي ولد سنة 303هـ. ولم يعش طويلًا فقد قُتل على يد الفاتك بن أبي جهل الأسدي في بغداد سنة 354هـ.

ولُقِبَ بالمُتنبِّي؛ لأنه قال الشعر صبيَّاً، فنظم أول أشعاره وعمره تسع سنوات، واشتهر بحدَّة الذكاء واجتهاده، وظهرت موهبته الشعرية مبكراً، ويرى أبو العلاء المعري في كتابه “معجز أحمد” أن المُتنبِّي لُقّب بهذا من النُّبوة، وهي المكان المرتفع من الأرض كنايةً عن رفعته في الشعر.

وكان المُتنبِّي صاحب كبرياء، وشجاعة، وطموح، ومحباً للمغامرات، وكان في شعره يعتز بعروبته، ويفتخر بنفسه، وأفضل شعره في الحكمة، وفلسفة الحياة، ووصف المعارك؛ إذ جاء بصياغة قوية محكمة.

وكان شاعراً مُبدعاً عملاقاً غزير الإنتاج يُعدُّ بحقٍ مفخرةً للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة، والحكم البالغة، والمعاني المبتكرة.

ومن يدرس ملامح شخصية أبي الطيّب المُتنبِّي يجده شاعراً عبقرياً متمكناً من وسائل الشعر، واسع الثقافة، فارساً طموحاً، قوي الشخصية، معتزّاً بنفسه، حريصاً على كرامته، يمتاز بوفائه لسيف الدولة، وتـمكَّنه من فن الفخر.

أما بالنسبة للخصائص الفنية لأسلوبه الشعري؛ فنجده ذا قوةٍ في الألفاظ وجزالةٍ في العبارات، وروعة في الصور، ومزج بالأفكار، وعمقٍ في المعاني مع ترابطها، والاعتماد على التحليل والتعليل، والاستعانة بالمحسنات غير المُتكلِّفة.

فقد وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مُهيّأً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم؛ ولكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتَفَجُّر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة؛ فترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح.

يضم ديوانه 326 قصيدة، تُمثِّل عنواناً لسيرة حياته، صوَّر فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جَرت الحكمة على لسانه، لا سيما في قصائده الأخيرة التي بدا فيها وكأنه يودع الدنيا عندما قال: أبلى الهوى بدني.

في الكثير من الأوقات نجد أن أحد الأبيات الشعرية التي قالها المتنبي تتردد باستمرار، وهو:

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ والقَلَمُ

ولكن العديد ممن يسمعونه لا يدركون أن هذا البيت كان السبب وراء مقتله، فحينما كان المتنبي في طريقه للعودة إلى الكوفة بصحبة ابنه محمد، قابل عدداً من قُطَّاع الطُّرق، والذين تربصوا به هم ورئيسهم فاتك بن أبي جهل الأسدي الذي قام المتنبي بهجاء ابن أخته ضبَّة بن يزيد الأسدي العيني في إحدى قصائده في والدته بالخطأ، وكان يُعرف ضبَّة بأنه واحدٌ من أشهر قُطّاع الطُّرق في ذلك العصر، وكان مطلع هذه القصيدة هو:

ما أنصف القوم ضبَّة وأمه الظرطبة

وإنما قلت ما قلت رحمةً لا محبَّة

وهذا ما جعل الأسدي يقرر الانتقام منه، فأخذ رجاله وانتظر المتنبي في الطريق، وفور أن مرَّ المتنبي بهم قام بمهاجمته وقتل ابنه، وعندما حاول المتنبي الهروب قال له غلامه مفلح: كيف تهرب وأنت من قلت:

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

فقال له المتنبي:

لقد قتلتني قتلك الله، ثم عاد المتنبي للقتال مرةً أخرى إلى أن تمَّ قتله.

ولهذا قد اشتهر هذا البيت كثيراً بين الأشخاص بأنه البيت الذي تسبب في قتل صاحبه، إذ إن المتنبي نتيجة لكثرة اعتزازه بذاته وتكبره قام بقول ذلك البيت في شخصه، وعندما فكر في الهرب ذكره الغلام بقوله، فانتظر المتنبي ولم يهرب لينجو بروحه نتيجة تعاليه، لأنه خشي أن يراه الناس ضعيفاً، ومات المتنبي إلا أن شعره لم يمت معه، بل ما زال يترأس الأدب العربي.

وكانت هذه الواقعة في منطقة تُدعى النعمانية بالقرب من دير العاقول جنوب غرب مدينة بغداد.

كان المتنبي ولا زال نابغة من نوابغ العرب في اللغة والشعر، وقد اتخذه كثير من شعراء عصره حتى عصرنا هذا قدوة وانموذجا احتذوا به، وحاولوا التعلم منه والنهل من قدراته على صياغة اللغة واستخدام عباراتها وحسن نظمها، فكان شاعر العرب وأشعر الشعراء كما يقول بعض النقاد عنه.

كتب المتنبي الكثير من القصائد وله ديوان شعري يحوي معظم أغراض الشعر من مديح ورثاء وغزل وهجاء واعتداد بالنفس. واتسمت قصائده بالغموض في بعض الأحيان فهو يضمر فيها ما لا يظهره، فقد تكون قصيدة مدح يضمنها هجاء كما سنرى في شرحنا لقصيدته واحرّ قلباه.

قصة قصيدة واحرّ قلباه

تدور أحداث هذه القصة بأن هناك وشايةً ما أوغرت صدر سيف الدولة الحمداني أمير وصاحب حلب، وقد اختلف المؤرخون فيها، فالبعض نسبها إلى طموح المتنبي الكبير في المُلك، وآخرون اتهموا المتنبي بأنه متعلقٌ بحب خولة شقيقة سيف الدولة، والتي رثاها حين وفاتها في قصيدةٍ شعرية ذكر فيها حسن مبسمها، وكان هذا لا يليق عند رثاء بنات الملوك.

والبعض الآخر نسبوها إلى أن الشاعر الحمداني أبا فراس قد وشى بها عند ابن عمه الأمير، حيث يورد البعض قصةً مفادها: في أحد الأيام جاء أبو فراس الحمداني ودخل على الأمير سيف الدولة الحمداني ابن عمه، وقد كان على درايةٍ بخلاف سيف الدولة الحمداني مع المتنبي.

ثم جلس أبو فراس وقال لسيف الدولة: “إن ذلك المتشدق يكثر من الإدلال عليك في قصائده، وأنت تقوم بمنحه ثلاثة آلاف دينار كل عام عن ثلاث قصائد فحسب، وتستطيع أيّها الأمير أن تـمنح من تلك الثلاثة آلاف مئتي دينار لعشـرين شاعراً، فيقولون عنك خيراً مما يقوله فيك”، وهكذا اقتنع سيف الدولة بما قاله أبو فراس وقام بتنفيذه، وحينها كان المتنبي مُتغيباً عن ذلك المجلس، وحينما علم بما حدث، ذهب فوراً إلى سيف الدولة الحمداني، ودخل عليه في مجلسه في حضـرة أبي فراس الحمداني، ثم قال قصيدته الشهيرة “واحر قلباه ممن قلبه شبم”،

وبسبب هذه الوشاية أو غيرها، والتي أرى أنها نتاج غيرةٍ وحسدٍ كبيرين من المكانة السامية التي وصل إليها المتنبي عند سيف الدولة، الأمر الذي أتت هذه الوشاية أُكلها.

فأصبح سيف الدولة متغيراً على المتنبي، بل وكانت الهمسات تنقل إلى الأخير عن سيف الدولة بأنه غير راضٍ عنه، وتنقل إلى سيف الدولة أشياء لا ترضيه عن المتنبي، تلا ذلك بعض المواقف الحادة التي حدثت من حاشية الأمير، أبرزها اعتداء “ابن خالويه” عليه في حضور سيف الدولة، حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة وبحضوره؛ فلم ينتصف له سيف الدولة، ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرحٍ لكرامته، ولم يستطع أن يحتمل فعزم على مغادرة بلاطه.

وحقيقةً تعد هذه القصيدة من أشهر ما قاله شاعر العروبة أبو الطيب المتنبي، حيث أصبحت معظم أبياتها تُتداول على ألسنة الناس كَحِكَم تُضـرب على بعض المواقف، وكما كانت هذه القصيدة هي عنوان اعتزازه بنفسه وثقته الكبيرة بذاته، كانت هذه القصيدة هي سبب مقتله أيضاً.

كما أن هذه القصيدة تعد سيناريوهاً متكامل الأركان كما يسمى في العصـر الراهن حيث حملت سـرداً كبيراً شملت الصور البلاغية الجميلة في وصف وفاء المتبني وانزعاجه الشديد مما وصل إليه الأمر، فبدأ في بداية القصيدة نادباً حظه لأنه يحب سيف الدولة الحمداني برغم قسوة الأخير عليه، وهذا الحب أوصله إلى الضعف والهزال، ويتعجب الشاعر من نفسه حيث يكن هذا الحب في قلبه للأمير حتى أضعف جسده والمنافقون يدعون حبهم للأمير.

كما أن القصيدة حملت عتاباً كبيراً، عتاب محبة ومودة، فيصفه بالعدل مع الجميع إلا معه، لأن النزاع والخصام الذي بينهما هو طرفٌ فيه؛ فأصبح سيف الدولة بذلك هو الخصم وهو أيضاً الحكم؛ أي أن شاعرنا الكبير ارتضـى بحكمه، وإن كان لن يحكم لصالح خصمه المتنبي.

وحذَّر شاعرنا صديقه وأميره بألا ينخدع بالمنافقين فيكون مثله كمثل الذي يرى المنفوخ فيحسبه قوي العضلات، وبيَّن له أن الذي لا يُميز بين النور والظلام لم ينتفع بعينيه، ويقصد بالنور من يحبه حباً حقيقيَّاً وبالظلام من ينافقه ويدَّعي حبه، فهو يريد أن ينبه سيف الدولة لحبه في عتاب رقيق.

أغراض قصيدة “واحر قلباه”

وبعد هذا المدح ثم العتاب ها هو يتحول إلى الافتخار بأدبه وشعره اللذين عمَّا الآفاق، حتى إن الأعمى نظر إليه فجعله مبصـراً، وكلماته سمعها الأصم فجعلته سميعاً، كما يفتخر بشجاعته وفروسيته ومهارته القتالية؛ فهو فارس تعرفه الخيل، ويقتحم الصحراء في الليل المدلهم، وهو أيضاً مقاتل بارع في الطِّعان؛ أي استعمال السيف والرمح.. إلخ من بلاغةٍ وذوقٍ عال في سـرد المواقف والأفعال، ليسحرنا هذا الشاعر الكبير بكل هذه الأبيات، وبكل هذا الوصف البلاغي

كلمات قصيدة قصيدة المتنبي “واحر قلباه” والتي قالها في سيف الدولة

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ

وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي

وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ

فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ

قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ

وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ

فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ

وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ

فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ

في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ

لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها

أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً

تَصَـرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ

عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ

وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ

تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ

يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي

فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحَكَمُ

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً

أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ

إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ

سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا

بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي

وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا

وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي

حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً

فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها

أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ

رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ

وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ

وَمُرْهَفٍ سـرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ

حتى ضـرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً

حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ

يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ

وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ

مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ

لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ

إنْ كانَ سَـرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا

فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ

وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ

إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ

كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ

وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي

أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ

لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ

يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ

أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ

لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ

لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا

لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا

أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ

شَـرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ

وَشَـرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

وَشَـرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ

شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ

بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ

تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ

هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ

قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ

شرح قصيدة واحرّ قلباه

واحرّ قلباه ممن قلبه شبم

ومن بجسمي وحالي عنده سقم

معاني المفردات:

واحرّ قلباه: نداء للندبة، ومعناه يا لشدة حرارة قلبي وألمي.

شبم: الشبم هو الماء البارد، وقد استخدمها المتنبي بأسلوب كناية ليدل على أن قلب سيف الدولة الحمداني بارد جهته.

سقم: مرض.

شرح البيت:

يقول المتنبي يا لحرارة وألم قلبي على حبي لسيف الدولة حتى صرتُ سقيمًا مريضًا، وهو قلبه بارد جهتي لا يحبني.

مالي أُكَتّم حبًا قد برى جسدي

وتدعي حبّ سيف الدولة الأممُ

معاني المفردات:

أُكتّم: صيغة مبالغة من الفعل كتم، ومعناه أخفي.

برى: أنهك وأتعب.

تدعي: الادعاء هو إظهار شيء بشكل كاذب.

شرح البيت:

هنا في هذا البيت يتابع المتنبي وصف شعوره وألم قلبه فيقول أنا أحبك يا سيف الدولة حبا شديدا حتى أتعب وأنهك جسدي. ولكنني أكتم ذلك الحب، أما باقي الناس فإنهم يظهرون لك عكس ما يضمرون فهم يدعون حبك.

إن كان يجمعنا حبٌّ لغرّته

فليت أنّا بقدر الحب نقتسم

معاني المفردات:

غرّته: هي مقدمة الرأس، وقد استخدمها المتنبي كناية فذكر الجزء وأراد الكل.

شرح البيت:

هذا البيت يمتلئ بالعتاب لسيف الدولة، فهو يقول له لو كنت أنا وباقي الناس نحبك، فليت لو كانت عطاءاتك بقدر محبة كل شخص لك. وهنا يريد أن يخبره بشكل غير مباشر أن عطاءاتك لي ليست بقدر محبتي لك، وهذا يتضح من البيت التالي عندما يقول:

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

شرح البيت:

فأنت يا سيف الدولة عادل مع كل الناس إلا معي، لكنني لا أستطيع أن أخاصمك وأحاكمك عند أي أحد لأنك أنت الحاكم. وقد ضمّن المتنبي في هذا البيت هجاء لسيف الدولة فأنت أعدل الناس لكنك تظلمني، أليس هذا هجاء؟

أُعيذها نظرات منك صادقة

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

معاني المفردات:

أعيذها: أنزهها، أو أرفعها عن ذلك.

الشحم: هو الدهن.

شرح البيت:

نجد هنا سخرية من سيف الدولة مع أن ظاهر البيت مديح، فإنني أعيذ نظراتك وأنزهك عن أن تظن بأن الإنسان العليل السقيم الذي عنده ورم ومرض بأنه سمين وهذا الورم شحم. يريد أن يقول له بأنه يجب أن تميز بين من يحبك بصدق وبين من يدعي حبك.
الفكرة الرئيسية في الأبيات السابقة

يعبر المتنبي عن ألمه وحرقة قلبه على حبه لسيف الدولة وبرود سيف الدولة جهته. ويعاتبه على استماعه للواشين ويطلب منه أن يكون ذو بصيرة ووعي أكبر. لذلك يستمر بالقول:

وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ

إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ

معاني المفردات:

انتفاع: مصدر صريح من الفعل انتفع معناه الفائدة.

استوت: تساوت وتقاربت.

الظُلم: جمع ظلمة ومعناه العتمة.

شرح البيت:

يكمل الشاعر في الحديث عن أن الإنسان يجب أن يميز بين الصواب والخطأ، فلا فائدة لنظر الإنسان إن لم يفرق بين النور والظلام، وهذا البيت فيه هجاء مبطن لسيف الدولة أيضًا.

أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي

وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ

أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها

ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها وَيَختَصِمُ

معاني المفردات:

صمم: فقدان حاسة السمع.

ملء جفوني: كناية عن النوم الهانئ، لا يشغل تفكيره شيء.

شواردها: جمع شاردة، وهي القصيدة التي تنتشر.

جرّاها: من أجلها.

شرح البيتين:

يبدأ الشاعر في هذين البيتين بإظهار اعتداده بنفسه وفخره بذاته وشعره، فمن شدة اشتهار شعره فقد نظر إليه الأعمى، وكلماته اخترقت المسامع حتى وصلت إلى الأصم، لذلك فهو ينام مرتاحًا هانئًا لا يشغله نظم شعر أو كتابته، أما باقي الناس فإنهم يسهرون من أجلها.

إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزةً

فَلا تَظُنَّنَّ أنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ

شرح البيت:

الآن يعود المتنبي مرة أخرى ليعرض بسيف الدولة ويكمل عتابه على عدم قدرته على التمييز بين الحق والباطل. فيقول له إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تظن أنه يبتسم؛ لأن الليث المفترس لا يمكن أن يصبح يوما مسالما.

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقَلمُ

معاني المفردات:

البيداء: الصحراء، الأرض القاحلة.

القرطاس: الصحيفة التي يكتب فيها.

شرح البيت:

يعود المتنبي مرة أخرى يفتخر بنفسه ويمدحها ويعتد بها، لذلك يقول أن كل شيء في هذه الدنيا يعرفني حتى الصحراء والقلم والخيل والليل، وكأنه يريد أن يقول لسيف الدولة أنني لا ينقصني شيء وأن كرامتي لن تقل بمجرد محبتي لك الكبيرة.
الفكرة الرئيسية في الأبيات السابقة

يبدأ الشاعر في الأبيات الخمسة السابقة بعرض فكرتين رئيسيتين وهما: التعريض بسيف الدولة مع عتابه، والفخر بنفسه واعتداده بها، فتارة يعاتبه على عدم تمييزه بين الحق والباطل بالصور المختلفة، وتارة يفخر بنفسه.

يا مَن يَعِزُّ علينا أن نُفارقهم

وِجْدانُنا كل شيءٍ بعْدَكُم عَدَمُ

شرح البيت:

يقول الشاعر أنه يعز علي أن أفارقك، ويصف حاله بعد فراقه بأن وجدانه ونفسه أصبحت خاوية، وكأنه يريد أن يخبره بأن لا معنى للحياة بالبعد عنك.

ما كان أخلقنا منكم بتَكرمَةٍ

لو أنَّ أمرَكُمُ مِن أمرِنا أمَمُ

معاني المفردات:

أخلقنا: أجدرنا.

أمَم: قريب.

شرح البيت:

المتنبي في قلبه رغبة بالتكرمة والهدايا والمنزلة العالية، لذلك يعود الشاعر مرة أخرى ليعاتب سيف الدولة فيقول له: أنني أجدر الناس بالتكرمة لو أن مكانتي عندك كمكانتك عندي. وينوع الشاعر في استخدام أسلوب الجمع تارة وأسلوب المفرد تارة أخرى.

إن كانَ سرَّكمُ ما قال حاسدُنا

فما لجُرح إذا أرضاكُمُ ألَمُ

شرح البيت:

هنا يشتد العتاب لسيف الدولة، فلم تعد عتابات المتنبي مقتصرة على المنزلة والعطايا التي يريدها وإنما راح يعاتبه على استماعه للوشاة، لكن المتنبي ذكي جدا فبالرغم من عتابه له إلا أنه يقول له: إن كان سرك وأسعدك ما قال الحساد والوشاة عني فإن الجروح بالنسبة لي لا ألم بها إن كانت ترضيكم.

وبيننا لَو رعيتُم ذاك مَعرفةٌ

إن المعارِفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ

كَم تَطلُبونَ لنا عيبًا فَيُعجِزُكُم

وَيَكرَهُ اللهُ ما تأتونَ والكَرَمُ

معاني المفردات:

ذمم: جمع ذمة وهي العهد.

رعيتهم: حافظتهم وراعيتهم معرفتكم لنا.

شرح البيتين:

ولأن الغرض الرئيسي من قصيدة واحر قلباه هو العتاب؛ لذلك لا نكاد نجد بيتا يخلو من العتاب لسيف الدولة، فيستمر المتنبي ويقول: أنك يا سيف الدولة لو راعيت المعرفة التي بيننا لما استمعت للوشاة، والمعارف في أهل العقول كالذمم، لكنك استمعت لهم وجاريتهم وطلبت لي عيوبا لكنك لم تجد فيّ شيء يعيبني، والذي تفعله يكرهه الله ويكرهه أهل الكرم.

ليتَ الغمامَ الذي عندي صواعقُهُ

يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عندَهُ الدِّيَمُ

معاني المفردات:

الغمام: جمع غمامة وهي السحابة السوداء.

صواعقه: جمع صاعقة وهي الصوت الشديد مع الرعد.

الديم: جمع ديمة وهو المطر المتواصل.

شرح البيت:

يرجو المتنبي كما رجا في الأبيات السابقة أن يكون الشر عند الذين يدعون حبه، والخير عنده، فيصف حال سيف الدولة بأنه يمطر على المتنبي بالصواعق المهلكة، بينما يعطي الآخرين الديم أي المطر والخير.
الفكرة الرئيسية في الأبيات السابقة

هنا وبالتحديد في هذه الأبيات يكون العتاب على استماع سيف الدولة للوشاة ويطالبه مرة أخرى أن يكون ذو بصيرة فيميز بين الحق والباطل.

أرى النَّوى يَقتضيني كلَّ مرحلَةٍ

لا تَستقلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ

لئنْ تَرَكْنَ ضميرا عن ميامِنِنا

ليَحْدُثَنَّ لِمَنْ وَدَّعتُهم نَدَمُ

إذا ترحَّلتَ عن قومٍ وقد قدَروا

ألا تُفارِقهُمْ فالرَّاحلونَ هُمُ

معاني المفردات:

النوى: البعد.

يقتضيني: يأخذ مني، أو يكلفني.

الوخادة الرسم: الإبل السريعة.

شرح الأبيات:

إن البعد عنك يا سيف الدولة يتطلب مني قطع مسافات طويلة لا تقدر عليها الإبل السريعة، لكنني سأرحل وأنت ستندم، فإنك لم تتوقع رحيلي وفراقي لك لذلك فأنت الراحل وأنت المفارق.

شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ بهِ

وشرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

معاني المفردات:

يصِم: يجلب العار.

شرح البيت:

يقول المتنبي أن أسوأ الأماكن هي التي لا صديق بها، وشر ما قد يفعله الإنسان في حياته ما يجلب له العار، وكأنه يقول لسيف الدولة أنت تفعل ما يجلب العار.

هذا عتابُكَ إلّا أنَّهُ مِقَةٌ

قد ضُمِّنَ الدُرَّ إلّا أنَّهُ كَلِمُ.

معاني المفردات:

مقة: محبة.

شرح البيت:

ينهي المتنبي قصيدته بوصفه بأن العتاب الذي عاتبه لسيف الدولة ما هو إلا محبة كبيرة منه، وأن هذا العتاب مليء بالدرر على الرغم من أنه كلام.

الفكرة الرئيسية في الأبيات السابقة رحيل المتنبي عن سيف الدولة ووصفه لسوء الحال التي سيصل إليها سيف الدولة بعد رحيله عنه.

المصدر : الصحافة