قصة قصيدة الفية بن عمار

قصة قصيدة الفية بن عمار من سلسلة قصص سالفه وقصيده من الحياة قديمة مكتوبة بالعربية

ولد «محمد ابن عمار» قرابة عام 1860 م في بلدة «ثادق» من نواحي وسط «نجد» [100 كلم شمال غرب «الرياض»].

وكان يعمل في تجارة الاستيراد من «الهند» وينقل بضائعه عبر الخطوط البحرية بين «الهند» وساحل «عمان»، حتى أصبح تاجرا ثريا ومرموقا.

في عام 1910م اشترى من «الهند» بضاعة أنفق عليها معظم رأسماله، وجاء بها على سفينة من هناك، ولكن قبل وصولهم إلى شواطئ «عُمان»، صادفهم إعصار قوي أغرق السفينة (وهو الإعصار الذي حدث سنة 1910م وأغرق سفن كثيرة من الخليج وسمّيت سنته بـ «سنة الطبعة»).

بعد غرق المركب بمن عليه وما عليه؛ تمكن «محمد ابن عمار» من النجاة باستخدام لوح خشبي، وظل في عرض البحر عدة أيام بين الحياة والموت إلى أن وجدته إحدى السفن فانتشلته وأخذته إلى «عُمان».

وبسبب هذه الحادثة المروّعة التي خسر فيها كل أمواله، إضافة إلى التجربة المفزعة التي مر بها قبل انتشاله من البحر، فقد أصيب بما يشبه الانهيار العصبي.

أقام في «عُمان» لمدة، ثم انتقل منها إلى «قطر»، ثم إلى «البحرين»، ثم إلى «الأحساء»، باحثا في كل منها عن فرصة تمكنه من استئناف أعماله التجارية، ولكن -بطبيعة الحال- لم يجد بين جماعات التجار في هذه المدن أي دعم أو عون. فاضطر أخيرا إلى أن يعود إلى بلدته «ثادق» وهو معدم المال تماما وبحالة نفسية سيئة.

بعودته إلى بلدته، وجد ابن عمار أنه قد فقد مكانته السابقة التي تأهل لها بوصفه ثريا، وفقد احترام الناس (أو أكثر الناس)، ولم يلبث حتى نبذه المجتمع بتحريض من بعض المتنفذين والمتدينين ممن دعوا إلى طرده من بلدتهم، بحجة أنه كان يدخن التبغ ولا يكترث لبعض القيود الاجتماعية ، فأخرجوه من البلدة، واضطر إلى العيش في كهف جبلي بالقرب منها.

ولكن على الرغم من اعتزاله في الكهف، لم يتركه أهل بلدته بل جاوؤا إليه وأمروه -مع التهديد والوعيد- بأن يغادر بلدتهم ويذهب للعيش في أي بلدة أخرى من بلدات «نجد»، وذلك خلال مهلة قصيرة.

وبينما كان حائرا لا يعلم أين يمكنه أن يذهب وهو لا يملك غير ثوبه ونعليه، مر به أحد المتعاطفين معه، وسأله عما نوى أن يفعل، فقال له ابن عمار إنه سيقصد إحدى نواحي «نجد» بالتأكيد لكنه لا يدري أي بلدة بالتحديد. فاقترح عليه الرجل أن يهجر «نجدا» كلها، لأن كل بلدة فيها ستكون أشرس من أهل بلدته عليه، ونصحه بالنصيحة الذهبية -التي ثبت أنها نصيحة من أمين- حيث أخبره بأن عليه اللجوء إلى: «حائل» (جبل شمّر)، إن أراد أن يعيش حياة طبيعية ينعم فيها بالحقوق والاحترام كإنسان.

فانطلق ابن عمار ماشيا على قدميه من «ثادق» قاصدا «حائل» [التي تقع على بعد ٥٠٠ كلم من مكانه]. وبعد أيام من المشي، مر في طريقه بقرية تذكّر أن له فيها بعض الأقارب، فمال إليهم وتمكن من الحصول على جمل منهم، فركبه واستأنف مسيره نحو «حائل»، وبينما كان على مشارف الحدود الحائلية تاه في الطريق إثر خروجه من القصيم، ولكن لحسن حظه؛ عثرت عليه فرقة دورية من الجيش الحائلي، فحملته وأوصلته إلى بوابات مدينة «حائل»، [وكان ذلك في عهد «الأمير سعود العبدالعزيز المتعب الرشيد» أمير حائل العاشر (1908-1920م)].

وعاش ابن عمار في «حائل» حرا محترما كأي مواطن آخر. وأبدع فيها قصيدته الألفية الشهيرة -التي نحن بصددها-، فأثارت إعجاب الناس من متذوقي الشعر في «حائل» نظرا لما احتوته تلك القصيدة من ميزات في مواضيعها ومعانيها وصورها وألفاظها. ودلّت مهارته في إنشائها على أنه بعيد عن الجنون والسفه الذي وصمه به أهل بلدته وأشاعوه عنه.

قضى ابن عمار بقية حياته في «حائل» وعاش فيها نحو 21 سنة إلى أن توفي عام 1932م. ودفن فيها.

حول لقب ـ «أبو خيشة» ـ

لقّب الشاعر بهذا اللقب من قبل أهل بلدته «ثادق»، لأنه عندما عاد إليهم فقيرا معدما، كانوا يهزأون به وبهيئته الرثة وكان يرد عليهم بتذكيرهم بأن أمواله الذهبية كانت لا تُحمل لكثرتها إلا في «خيشة». فلقبوه: «أبو خيشة».

والخيشة هي «الشوال» الذي تعبأ به الحبوب في العادة كالقمح والأرز.

حول الألفية

«الألفية» هي قصيدة تنظم بحيث تبدأ أبياتها بكلمات تبدأ بالأحرف الهجائية، بحسب الترتيب الهجائي للأحرف، فالبيت الأول أو المجموعة الأولى تبدأ بكلمة أولها حرف «الألف» يليه البيت الثاني بادئا بكلمة أولها حرف «الباء»، ثم «التاء» فـ«الثاء»، وهكذا.

و«ألفية ابن عمار» أو «ألفية أبو خيشة» وضعها الشاعر بعد هجرته إلى «حائل». وهي ألفية رباعية، تتكون من 112 بيتاً، أفرد فيها الشاعر أربعة أبيات لكل حرف هجائي من «الألف» إلى «الياء». وضمّنها الشاعر تقنية شعرية تحسينية تتمثل في التزامه ببدء البيت الثالث في كل رباعية بالكلمة أو العبارة التي انتهى بها البيت الثاني من الرباعية.

ونالت الألفية إعجاب الناس في حائل وخارجها. وهي تدل -كما سبق أن ذُكر- على اكتمال قوى الشاعر العقلية والابداعية، وتنفي الفكرة التي يتناقلها بعض الناس وخصوصا «النجديين» عن كونه مجنونا أو شبه مجنون.

واشتهرت ألفيته في المجتمع الحائلي في زمنها، ثم اشتهرت أكثر بعد أن غناها الفنان الحائلي «سالم الحويل» وغناها بعده عشرات الفنانين.

نص الألفية

«ألفٍ» أولف من كلام نظيفِ

ودموع عيني فوق خدي ذريفِ

يا لايمن في حب ذاك الوليفِ

دقاق رمش العين سيد الخوندات

خوندات يا اللي ما بعد عاشرنه

قل له تراهن بالهوى يذبحنه

قلبي وقلبك يا المولع خذنه

عزي لمن مثلي تعرض لـ الافات

«البا» بليت بحب خلي على ماش

ولا حصل لي منه ما يبري الجاش

غديت أنا وياه طاسة ومنقاش

بالوصل كني يا المعزي سلامات

معزي سلامات الذي يذكرونه

نبي السلامة منه ويا المعونة

يقول طيب مير غرت عيونه

سبب ولدكم واحد صابه وفات

«التا» تبعت الزين والزين مقفي

أمشي وحتفي ناقله فوق كتفي

وإن شفت لي عين وكتف و ردفِ

ما اقوى التفت لو طوحوا لي بالأصوات

أصوات وإن قالوا سفيه وسايح

طرد المقفي يا المشقى فضايح

قلت إيه مار أشواركم والنصايح

مثل المطر فوق السحال المكفاة

«الثا» ثمانه حب رمان «طايف»

أو قحويان في رياض العطايف

متمثل بالزين سيد الرهايف

عمهوجة فيها من الحور شارات

شارات فيها من ظبي «الحمادِ»

هي لذة الدنيا وغاية مرادي

من يوم شد صويحبي عن بلادي

عليه جاوبت الحمامة بالأصوات

«الجيم» جاني من عشيري كلامِ

ولا لقينا من يرد السلامِ

عليه زرع القلب هايف وظامي

ولا لي جدى كود البكا والتنهاة

أنهت على ما فاتني من زماني

يوم الحبيب زارني في مكاني

وراي ما اخذت القضا يوم جاني

توي عرفت البيض فيهن جنات

«الحا» حليه بالوطن ما لقيته

عذلت نفسي عنه ولا قويته

ولو ينذكر في «إمريكا» نصيته

لو حال من دونه بحور ومسافات

مسافات لو هي في بحور الظلامِ

أو وسط سنبوك حداه الولامِ

إليا حصل منه بلوغ المرامِ

عنيت لو هي في بحور الظلامات

«الخا» خليلي صار مني قريبِ

ليتي نصيب له وهو من نصيبي

ودي أواجه نور عيني حبيبي

مار الوحيد الهيت ما فيه نوهات

نوهات نوهات غدت من غثا البال

طول النهار أمشيه عمال بطال

وأنا أتحرى كل حول إلى حال

دنياك هاذي يا اريش العين مشهاة

«الدال» دامي ما مسكت الذوايب

لو قيل طيب قلت ماني بطايب

دنوا سداة القبر دنوا النصايب

دنوا دواة الحبر باكتب سجلات

سجلات أريد أكتب بها لي وصية

عمري قضى يا وجد أهيلي عليه

قولوا لصافي اللون ياقف عليه

غديه يرجع ويتحسف لما فات

«الذال» ذالي عنه عدة ليالي

لو قيل سالي قلت فلاني بسالي

والله فلا يطري على شف بالي

إلا إنت يا راع الثمان الرهيفات

رهيفات فيها للمشقى طرابة

ما تقول مجلول ولا به طنابة

يا ليت من يدخل معه في ثيابه

وأسج أنا وياه بالعمر سجات

«الرا» ردوف صويحبي ثقلنه

و نهود للثوب الحمر شلعنه

ممهونة ما احلى بياضه وفنه

في عرض ساقه فيه من عرق الأرطاة

أرطاة غرمول ذرته الذواري

والله لو ماني على الترف أداري

لـ اسري عليها مثل ذيب الغداري

جايع وفي الغابة عياله مجيعات

«الزا» زماني شفت منه الهوايل

لا عاد حظي في الغنادير مايل

الزين لو نترك قصير وطايل

لا شك وين العقل هيهات هيهات

هيهات لو بالعقل يا ذيب لبه

ما كان يتبع واحد ما يحبه

لا صار قوله لي خريف بدبة

وش لك بشوفه يا العيون المشقاة

 

«السين» سقنا من الدراهم وعيا

واللي نبي من صاحبي ما تهيا

يقول والله لو تحب الثريا

خذني على السنة تشوف الطرابات

طرابات ينسنك جميع الدروبِ

أغديك في تالي حياتك تتوبِ

وأودع محلك بين جلدي وثوبي

وتشوف فرق البيض فيهن ملذات

«الشين» شاب الراس يا عذب الأنياب

واللي بطريا توبة ذاك قد تاب

لي حاجة يا زين بس افتح الباب

يرحمني اللي عالم بالخفيات

يرحمني إني فيك يا زين مفتون

من حبك أسهر والخلايق ينامون

ألهيتني عن مذهب اللي يصلون

“ما عدت أميز لو قريت “التحيات

«الصاد» صيدي يوم ألايم غريمي

شفق على الحبة ولمس البريمِ

ما هو بصيدي قلة بالحريمِ

لا شك كل له مع الناس مشهاة

مشهاة مشهاتي ظبي الفريدِ

حب العرب ينقص وحبه يزيدِ

لا شفت زوله ذاك هو يوم عيدي

تصبح بساتين الضماير مريفات

«الضاد» ضدٍ حال بيني وبينه

يقول هذا “صانع” ما تبينه

عسى الوجع يشقيه بصبي عينه

يسهر ولا يمرح من الليل ساعات

ساعات جعله ما يشوف الجدارا

ولا ينعرف ليله ولا نهاره

عساه يوم الحشر يحشر حمارا

ويحملونه حمل الاسراف سيات

«الطا» طويت الياس والسد باحِ

ما عاد لي شف بظبي البياحِ

لعلها هبت خفوق الجناحِ

اللي سبوقه فوق رجله مطواة

مطواة وطار وراح من يوم هبه

راعيه لو رز اللوا ما ينبه

طير قضيب والحباري غدت به

تعين العشا ما بين فخذ وجنبات

«الظا» (ضمان) من تولع بالاثنين

لا بد تترك عشرته يا مسيكين

ما ينتجمع بالمرابط حصانين

يـجي لهن حوسة ودوسة وصقلات

صقلات يصقل يوم جابوا طعامه

جا له على طلب المعيشة بحامة

اسمع كلامي يا الهبيل الكدامة

إليا جمعت الحصن فالحصن خطرات

«العين» عن من ينقل الهرج حذراك

تصير كنك ناقل داك برداك

إليا سمع له كلمة من حكاياك

يحطها كبر القصور المبناة

مبناة تبنى مثل خشم الغرابة

ويكدر المشروب عقب الطرابة

وهو يشابه بومة في خرابة

لا ناقل هرجة ولا كف هرجات

«الغين» غاب العقل بأول شبابي

وادميت من تلعات الأرقاب نابي

واليوم شاب الراس والكيف طابِ

ماني على الفايت كثير الحسوفات

حسوفات لا تندم على ما مضى منك

أيضا ولا تفرح على اللي يـجي منك

ما ادراك لو موجب سبب صدته عنك

ناهيك رب العرش رب السماوات

 

«الفا» فؤادك لا توليه حساد

واحذر يـجي لك مع هل الشر مقعاد

اهرج وخلك عن جميع العرب صاد

ثم اعتبر بالذيب يضوي بغارات

يضوي بغارات وهم ما دروا به

واللي يوقف بالحراوي هقوا به

كم واحد وقف ولا قضي نوبة

يكسر إليا شاف اللحم كنه حداة

«القاف» قل لـ اللي يريد النواميس

اللي يبي طرد الهوى يرخي الكيس

وإليا بذلت الكيس والنفس وإبليس

تطيح ناس يدّعون الديانات

طاحوا وصاروا للخلايق علاجه

يلقى بهم راع الهوى قضي حاجة

وإليا نثرت الحب جتك الدجاجة

حاضت وراضت لو تبي عشر بيضات

«الكاف» كن السد في كل الأحوال

واحفظ لسانك لا يقولون ذا قال

حتى تـجي محسوب “محبوب رجال”

وإن جيت مجلسهم نواظرك صقرات

صقرات لا تامن من اللي يحاكيك

وهو عدوك تحسب إنه يحاكيك

يا ذيب كان الله على الرشد هاديك

اكتب حروف بالضماير حسينات

«اللام» ليت العمر ينكس بحله

الرجل قبل الشيب وا حلو دله

قيمة ثلاثين السنة هي محله

وإن لاح فيه الشيب ما به طرابات

ما به طرابات ولا يرغبونه

لو حط له ردن وكحل عيونه

أهل الطرب عقب الغلا يبغضونه

لو هو مصافيهم على فايت فات

«الميم» ما غيري من الناس جرب

ولا أحد مثلي بزمانه تطرب

لاويت صافي اللون فوق المضرب

كن العدو عنا عيونه مداواة

مداواة ما وده يـجي له عبارة

واللي يـجنب عنك وش لك بداره

الحذر ما ياطى بوسط الخبارة

لازم يـجي فيها عقارب وحيات

«النون» نام الحظ ما فيه حيلة

عيا يباريني وأنا ازريت أشيله

من يوم فارقني عريض الجديلة

قام يتكسر في حشا الصدر عبرات

عبرات ضاقت به حنايا ضلوعي

عليك يا خلي حسين الطبوعِ

والله ما اطاوع فيك هراج دوعي

دايم عيوني في مراعاك سهرات

«الها» هواي “العاشرة” يا الفطينِ

و”السابعة” يا اللي تعرف الرطينِ

ما تنحكي الشكوى على الميتينِ

و”الخامسة” ما تنحصي عد الأميات

أميات مات القلب من كثر همي

أشكي عليك الحال وإنت ابن عمي

إنت عضيدي وإنت لحمي ودمي

ترضاه يـجفاني ولاني بمجفاة

«الواو» ويله للهوى من هواهم

إن كانه اللي سم حالي وطاهم

كم ليلة يصبح غثيث عشاهم

إلا لقيمات مع الحلق مرات

مرات لين أبري من الترف شفي

وأوسده عضدي وزندي وكتفي

لـ أشر على اللي باين ومتخفي

همن يـجي للزاد والشرب لذات

«اليا» يولع في ضميري حريقة

أذكر شرابي من طراقيع ريقه

غصين بان بالغصون الوريقة

في عرض بستان روايا ولدنات

لدنات نسناس الهبايب تديره

واللي تولع به حباله قصيرة

ما اظن يبرد واهج في ضميره

إلا على سيسان ذيك الشفايات

قراءة نقدية : أسرار ألفية بن عمار…. هل قالها تحديا ام عاشقا ؟

الشاعر محمد بن عمار صاحب الألفية المتوفى سنة 1351هـ كان لابد من وضع النقاط على الحروف وتوضيح سيرة هذا الشاعر  لتعديل المفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بهذا الشاعر الذي ملأ الدنيا واشغل الناس من خلال قصيدة واحدة هي الألفية الشهيرة التي نهج فيها نهجا ميزه عن شعراء جيله, أحببت أيضاً أن أوضح بعض الأشياء التي لايعلمها الكثير من المتذوقين للشعر الشعبي وأخص الشاعر محمد بن راشد الـعـمار من أهالي بلدة ثـادق في نــجــد رحمه الله رحمةً واسعة وجميع موتى المسلمين ,,

سـألت نفسي قبل أن أهم بكتابة هذه الكلمات:

هل نحن كمبتدئين للشعر الشعبي أو كهـواةٍ تهوى القصائد الشعبية القديمة أو كنقاد وأدباء لـبـحور الشعر الشعبي القديم ,, هل نحن كافة أعطينا وأنصفنا تراثنا الشعري الأصيل ؟ بمعنى آخر وأوضح وأدق ,, هل أنصفنا وأعطينا شعرنا الشعبي حقه كما أعطينا مايسمى بشعرنا الشعبي الحديث (المترهل) ؟ وعذراً لهذا المصطلح ,,

أين أدباءنا من تبني شعرنا الشعبي الأصيل ؟ قـد يقول قائل يوجد بالمكتبات شرح المفردات الشعبية والقصائد القديمة لكبار الشعراء وغيرها ,, وأنا أقول له قد تجد قصائد شعبية قديمة ولكن قد تفاجئ في بعض الأحيان لايعرف صاحب القصيدة ! وإذا عُرف صاحب القصيدة تجد بعض أبياتها محرفة أو محذوفٌ بعض الشيء منها!أنا بهذا الكلام أو النقد إن صح التعبير

لا أقلل من أدباءنا بل على العكس قـد أثروا المكتبات بالشعر الشعبي وما يحتويه من معاني جميلة وشرحٌ لمفرداتها ,, لكنها تعتبر شبه قليلة , ولك أخي القارئ الكريم أن تقارن بين تلك المجلدات وبين المجلات الشعبية التي قـد أجزم بأنك قـد تجدها في كل بيت! وقـد يقول قائل أو شاعر شعبي (حديث) أنه لا يريد أو لا يحب كتابة قصيدةٍ شعبية قديمة صعبة المفردات. وأنه دارعليها الزمن وأفـل ,,,! أقول له في هذه الحالة ياأخي لا تكتب المفردات الصعبة والغير مفهومة ! نحن نقصد أسلوب ونهج شعراءنا القدامى في سرد قصائدهم,, بمعنى آخر وهو أن تأخذ أسلوب القديم وتمزجه مع الحديث المتجدد لتخرج لنا قصيدة شعبية ( ثابتة الأركان مجددةً لفروعها ) في كل زمان .

أحبتي أنا عندما تطرقت لهذا الموضوع المهم لأنه هناك قصائد لكبار الشعار القدامى أمثال محمد القاضي ,, ومحمد الصفري ,, والشويعر ,, وبركات الشريف,, وعبيد الرشيد ,, وغيرهم كثير من شعراء الجزيرة العربية إلى أن تصل إلى الشاعر محمد الـعـمار وقـد أشتهر بألفيته المطولة بين أهالي نـجـد قديماً وحديثاً , ولكن قـد يخفى على كثيرٍ بل والكثير من الناس أن ألـفيـة محمد بن عـمار حُـرفـت بعض أبياتها وبعض حروفها على مر السنين , قـد تقول لي وكيف عرفت أنها حُـرّف فيها ولماذا كل هذه السنين لم يُدوّن أهل الشاعر قصيدته؟

فأقـول لك أن الـنـسخة الأصلية موجودة عـند أحفـاده في الرياض..وقـد ذكر الشاعر الشيخ عبد الله بن سعد العمار ويعتبر ممن عاصروا زمن الشاعر محمد إذ يبلغ من العمر مايقارب
95 و 96 سنة

ذكر الشيخ عبد الله أن النسخة الأصلية مازالت موجودة ومحفوظة وذكر أنها سوف تنشر لكن في القريب العاجل

أمـا تحريفها يُـرجّح بسبب تغني بعض الفنانين بها من دون أخذ رأي أهل الشاعر وكان من أشهر من غناها الفنان ( سـالم الـحـويل ) وزادت شهرتها بعد ما تـنـاقلها الناس وعرفوها بهذه الكلمات,, ولكن تجد كبار السن وكبار الشعراء يعلمون بأنها محرفة

بل وزاد على ذالك أن القصيدة كادت أن تنسب إلى شخصٍ آخر لولا أن أهالي ثادق وخاصةً صديقه المقرب إليه يقال له ( بن دحوم أو الدحيم ) الذي كان يرافقه في غاره في أطراف البلدة الذي مازال موجودا هذا الغار ويعرف بغار بن عـمار أكد على أن القصيدة لابن عمار .

أمـا الحروف التي حُـرفت كثيرة وأسـتـطرد منها حرف ( الضاد ) كمثال واضح وشرح كيف تم التغيير بالمعنى وتفصيله,, عندما قال :

فل( الضاد ) ضـدٍ حال بيني وبينه && يقول هذا صانعٍ لاتبينه
عـسا الولي يبلاه بصبي عـيـنه && عـساه يسهر من الليل ساعات
إلى آخـره,,,,,,
أما الصحيح هو : ( الضاد ) ضـدٍ حال بيني وبينه
يقول هذا طامعٍ لا تـبـيـنـه
عسا الولي يبلاه في صبي عــيـنــه
يسهر ولا يمرح من الليل ساعات

إلى آخره,,,,و أن ابن عمار صانعأً كما سلف كيف له أن يقول كلاماً حكيماً ونصائح بليغة في معانيها لايقولها إلا من له مواقف وتجارب كثيرة عاشها وعاصرها في حياته ؟ ولا يقولها صانعَ أغلب أوقاته ماكثاً في صناعة الحديد والسيوف والدروع والنحاس ؟ ولنفرض أنه صانع لـقـال ( الضاد ضدي حال بيني وبينه) ثم يقول بعدها ( يقول هذا صانعٍ لاتبينه ) أي أنه معروف بأصله بين الناس أنه من الصناع ومن ضمنهم محبوبته التي تعرف عن نسبه ! أي أن العيب منه وليس منها,,, ولكنه حذف الياء وجعلها (ضد) بتشديد الدال , بمعنى أن الذي وقف بينهما شيئـاً مجهولاً لم يحدد العيب إكراماً لمحبوبته,, فأدخل معهم طرفاً ثالثاً في تصوير خيالي تخلله كلمة (ضد) في تناغم متسلسل وبين أنه يريد التفريق بينهما بقوله ( يقول هذا طامعٍ لاتبينه ) فجعل العيب في هذا الواشي المجهول !! بأن يدعوا ربه على هذا المجهول بأن يسهر طوال الليل ويبتليه بعدم التمييز إلى أن وصل كالمسرف بسيئاته عند الحشر يوم القيامة

وكيف يكون ابن عــمار صانعاً أو ماشابه ذالك وقـد شارك ضمن فرسان الملك عبدالعزيز في معركة البكيرية عام 1322هـ. وقد كان من هواة ركوب الخيل بين قومه ومشهوراً بالجود والكرم وحسن الجوار وشديد الفراسة وهو الذي يقول في قصيدةٍ مطولة أذكر منها بيتين

أبــوك شــهــم يــكـرم الضـيــف والـجــار ** وراعـي مـراجل با لمـكارم يـشـيـدي
وان كـنـت أنـا مـن عـرب الأنساب عـمار ** لاحط قـصـرك با لمـشـارف مـشـيدي

هذا مثال بسيط ودليل قاطع على أن ألفيته أصابها شيئاً من التحريف الغير مباشر لأن من يعرف شعر ابن عمار يعرف طريقته في سرد الأبيات بتصورات فيها من خياله الواسع الذي يجذب به القارئ والمستمع إلى شعره فيدخله معه بالقصيدة , وكأنه بذالك يحاول تطبيق أسلوب الشاعر امرأ القيس الذي لم يستطع حداً أن يجاريه , لا في عصره ولا العصر الذي بعده ولا حتى في عصرنا هذا, والدليل أن شعر لازال يدرس بالجامعات والمدارس لأن طريقته في سرد القصيدة عندما يفتتح أول أبياتها بالشيء الواقعي ثم يترك للقصيدة المجال
لتجول في خياله وتكتب مابدا لها من صوراً خياليه غريبة وممتعة في نفس الوقت( خاصةً بالشعر الغزلي )
مثال ذالك :

فَـتـِلْكَ التي هَـــامَ الـفُــؤادُ بِـحُـبِّـها && مُـهَـفْـهَـفَةٌ بَـيْـضاءَ دُرّيــَةُ الـقُـبَــلْ
ولي وَلهَا في الناسْ قولٌ وَسُمْعَةٌ && ولي وَلَـهَـا في كُـلِّ نَـاحِـيَـةً مَــثــلْ
حِـجَـازِيةُ العَـيْـنَـيْن مَكّـيةُ الحَـشَا && عِـــراقِـــيّةُ الأَطــرَاف رُومِــيّةُ الــكَــفَــلْ
تِهَـامِـيّةُ الأَبْـدان عَـبْـسِـيّةُ اللّـمَـا && خُـــزَاعِـــيّـةُ الأَسْـــنَـانْ دُرّيــةُ الـقُــبَــلْ
فَـقَـبّـلْـتُها تِـسْـعَـاً وتِسعينَ قُـبـْلَةً && وَوَاحِــدَةً أخْـــرى وكُـــنْـتُ عـلى عَـجَــلْ
وعَانَقْـتُها حتى تَـقَـطّعَ عِـقـْدهــا && وحتى فُصوص الطوقِ مِنْ جيدها انفَصَلْ
كَأَنّ فُـصُوص الطوق لَمّا تَـنَاثَراً && ضِـيـاءُ مَـصـابيحٍ تَـطَـايَـرنَ عَـنْ شُـعَـــلْ

وقول ابن عمار في خياله :

الجيم جاني من عشيري سلامــي
ولا لـقـينـا من يـرد الكــــــــلامي
عليه زرع القلب هايف وظامـــي
مالي جدا كود البكاء والتنهـــات
ابكي على ما فاتني من زمانــي
. يــوم الحـبـيّـب زارنــي فـي مكانـي
وراي ماخـذت القـضـاء يـوم جانــي
توي عـرفـت البيض فيهن جــنــات

والأمثلة كثيرة في تصوير خيال ل ابن عمار

نأتي الآن إلى السبب الرئيس الذي جعل محمد بن عـمـار يكتب ألفية من نوع ( المثومنة ) هل كتبها تغزلا في محبو بته ,, أم لـغرضٍ آخر ؟؟
طبعاً الجميع يعتقد أن ابن عمار كتب هذه القصيدة عن قصة حب وهيام عاشها مع معشوقته ! وعاش أحداثها مثل كل عاشقٍ عاش أحداثها بكل تفاصيلها ولكن هناك سببٌ آخر مـغـايرٌ تماماً وقد أدهشني كما سوف يدهشكم الآن,

الألفية قصيدة غزلية برهن فيها ابن عمار على مقدرته الشعرية ولا يلزم ربطها بقصة حب حقيقية فمعظم الشعر يعتمد على الخيال ولقد قيل “أعذب الشعر أكذبه” ونظمها بعد ظهور الشيب في شعره، أي بعد تجاوزه الأربعين سنة غالبا بدليل قوله في الألفية:

اللام ليت العمر ينكس لـحله && قدر ثلاثين السنة في محله
الرجل قبل الشيب واحلو دله && وان لاح فيه الشيب ما فيه لذات

وقال في الألفية أيضا:

الغين غــاب الـعـقـل بأول شــبابي && وادمـيت مـن تـلعات الأرقـاب نـابي
واليوم شاب الراس والكيف طابي && ولاني على الفايت كثير الحسوفات

ومحمد بن عمار تزوج قبل أم أولاده خمسا من النساء فلو كان من مجانين العشاق فهل سيتزوج، وقد رزق بأول أولاده عام 1325هـ تقريبا.

أما السبب الرئيسي وهو أن شاعـراً يـقال له ( العوني ) أتى إلى بلدة ثادق قاصداً الشاعر بن عمار مـعـلـناً تحديه له لما سـمع عن جزالة شعره في عصره وقال له :

يابن عمار: سـوف أكتب لك قصيدة (ألفـية مـروبـعة ) وأريدك أن تأتي بـمـثـلها وتجاريني في وصفها إن استطعت !

فـقال ابن عمار هات ماعندك

وعندما انتهى العوني من ألفيته المروبعه

جاء دور ابن عمار فـقال :

ألـفٍ أولف من كلامٍ نـظـيــف && ودمـوع عـيني فـوق خـدي ذريـف
يالايمين في حب ذاك الـوليـف && دقـاق رمـش العـيـن سـيـد الخـوندات

واعتقد العوني أنه سيبدأ بحرف الباء .. فـفاجـئه ابن عمار بتكملة حرف الألف!!

خـونـدات ياللي مابـعـد عـاشرنه && قـله تـراهـن بالهـوى يـذبـحنه
قـلبي وقـلـبك من عـروقـه خـذنه && وعـزي لمـن مـثـلي تـعرض للآفــــــات

تلاحظ أخي القارئ أنه عندما أكمل حرف الألف أكمله بصيغة الجمع!!

فأطلق لخياله العنان على ذالك حتى انتهى وسميت ألفيته ( بالمـثومـنة )

ويعتبر أول من أتى بألفية مثومنة في عصره ولم يستطع أحـداً مجاراته .

هذا هو السبب الحقيقي لكتابته الألفية المشهورة ,, هذا ماأردت توضيحه بشكلٍ موسع وشامل عن هذه الشخصية