قصة عطية عنقري ما لها من يعوقها

قصة عطية عنقري ما لها من يعوقها

قصة بنت من البادية الذين يقطنون الداودمي، كانت يتيمة ونشأت وترعرعت, في بيت عمها, الذي رباها تربية حسنة, حتى اكتمل عمرها فزوجها ولده , وأسمه صقر, الذي لم تتحمل العيش معه فطلبت من عمها التدخل لتطليقها وقالت يا عم طلقني من ابنك ما هو اللي عيني يشوقها وانها لا تريد العيش فقط أو النظر بل أنها زهدت في حياتها مع المذكور

استجاب عمها لطلبها,فأمر ابنه بأن يطلقها , ولكن أبنه صقراً كان متعلقاً ومحباً لأبنه عمه

في البداية رفض تطليقها, ولكن بعد أن ألح عليه أبيه, وأقسم أن يطلقها, وخوفاً من العقوق ومعصية أبيه وطلب رضاه حتى لو كان طلبه صعباً على نفسه , وحتى لايزعل أبيه , نفذ صقر كلام أبيه وطلقها

وفي يوم من الأيام , تعرف عم الفتاة على تاجر اسمه أبوبكر العنقري, وكان معروفاً عنه الطيب والكرم والشهامة , وصاحب مواقف طيبة مع البدو,حيث كان يعطيهم مايحتاجونه ويمهل ويصبر عليهم بالسداد

كان أهل البادية يكنون للعنقري, كل الاحترام والتقدير والحب, ويحفظون له هذا المعروف، الذي قدمه لهم

فلما سمع أبوبكر العنقري بطلاق هذه الفتاة,تقدم لخطبتها من أهلها, فوافقوا عليه وتم الزواج

وبعد أن اقترب موسم الأمطار, رحلوا أهل الفتاة إلى الصحراء, طلباً لربيع ,حتى ترعى حلالهم, فتأثرت الفتاة برحيل أهلها , وتذكرت حياة مرابع البادية وأيامها الحلوة والجميلة, وكان ابن عمها صقر, كسب سمعة طيبة, في الشجاعة والفروسية وقيادة القبيلة في الحروب و المعارك

وعندما رحلوا أهلها صعدت إلى سطح المنزل ومدت بصرها للطريق الذي سلكه أهلها عبر الصحراء وهاضت مشاعرها بهذه الأبيات

ولم تعلم بأن زوجها الثاني أبو بكر قريب منها ويسمعها تقول هذه الأبيات :

يا شيب عيني من قعودي بقرية
ومن بيقران ربطها في حلوقها

يا عنك ما سيّرت فيها لجارتي
ولا سيّرت رجلي لبيعات سوقها

هني بنات البدو يرعن بقفره
ريح الخزامى والنفل في غبوقها

شوفي بعيني للبيوت هدمت
والزمل شالوا غالي القش فوقها

شفي بهم (صقر) تباريه عندل
ربيقيةٍ در العرابا علوقها

أيضا إلى شدوا تباريه هجمه
حم الذرا ما يحلب إلا شنوقها

فأجابها زوجها أبو بكر العنقري بلا تردد قائلا :

روحي مني إلى صقر عطية
عطية عنقري ما لها من يعوقها

فأجابته معتذرة منه وحاولت تدارك الموقف لتخبره بأنها لا تريد غيره زوجاً, وأن ما قالته مجرد تسلية بدافع اشتياقها وحبها لحياة لبادية وأيامها الحلوة والجميلة و مشاهدة الطبيعة الخلابة و الساحرة

يا أبو بكر ما للنفس عنكم تخيّر
مير ان زوعات البوادي تشوقها

ولكن العنقري أبت شيمته , وأصرّ على تطليقها, حفاظاً على عزة نفسه, وعلى كلمته المشهورة :

( ( عطية عنقري ما لها من يعوقها ) )

بمعنى أنه قال كلمه وأعطاها أبن عمها صقر فلن يتراجع عن كلمته مهما كان

بعد ذلك قام بتجهيزها فشد لها أحد الجمال وأعطاها كل ما تحتاجه, وأخذها إلى أهلها, معززه مكرمه, ومحشومه , وسلمهم الأمانة

ثم عاد إلى بلدته، وبعد فترة من الزمن والعدة عادت الفتاة إلى زوجها الأول أبن عمها صقر

وبعد أن مضى عدة سنوات أراد العنقري أن يختبر أهل زوجته التي طلقها ويشوف طيبتهم ووفائهم معه لما أسدى عليهم من الجميل.

فقام بطلي ناقته وشوهها بالدهن وبدواء الجرب لتبدو مصابة بهذا المرض الخطير لتكون بعين الرائي جرباء والذي يكرهه أهل البادية لتسبب الجرب في قتل مواشيهم , فقد كانوا يبعدون الدابة المصابة به عن بقية المواشي حتى لا تنتقل العدوى إليها، كذلك أدعى العنقري أنه فقيراً، وفى حاجه للمال

وقد سار حتى وصلهم وعندما أقبل على بيتهم عرفته زوجته

وقالت لصقر: هذا أبو بكر.

فقال له صقر : تقدم واستقبله بكل حفاوة وتكريم

وأراد أبو بكر أن ينيخ بعيره بعيدا عن مراح الابل خوفا عليها من العدوى ومتنكرا بصفة الضعف وقلة ذات اليد وقال أنا خايف على ابلكم

لكن صقر خالف هذه العادة وأصر ّوصمم على أن ينيخها بالقرب من البيت احتراماً وتقديراً لمواقفه الطيبة

فقال صقر : الله يحييك أنت وراحلتك، ان ما أخذها البيت تأخذها عيوننا، أنت صاحب المعروف الأول.

بعد أن قدم له واجبات الضيافة, سأله عن أحواله

فقال العنقري: أن الدنيا متقلبة الأحوال ولا تدوم لأحد , وأنا اليوم في ضائقة مالية, حيث لم يعد عندي شيئا, وأموالي تفرقت كلها بين البوادي
بمعنى : ( أن أموالى عند الناس وضاعت بسبب المماطلة بالسداد ) فتذكرتكم وأتيت لكم طلباً منكم المعونة, والمساعدة على مصائب هذه الدنياء الصعبة

فقال صقر: مرحبا بك عند أهلك وبين أصحابك

ثم جمع له عددا كبيراً من الإبل من جماعته, وأضاف عليها ضعفها من حلاله الخاص وأعطاها للعنقري ,الذي طلب منه أن يرسل معه من يساعده على إيصالها لبلدته

فأرسل معه صقر مجموعة من الفتيان ليساعدوه

وعندما وصل العنقري لبلدته ,قام بتحميل هذه الإبل بطعام وأرزاق وطلب من الفتيان العودة بها إلى أهلهم

وأمرهم يرجعون كل ناقة لصاحبها ومعها الحمل من الطعام حيث انه رد المعروف بأحسن منه وتأكد بأن معروفه عند هذه القبيلة لم يضيع سدى وأنهم أهلاً للمعروف

وهكذا يحصل الاختبار بين الناس.

رحم الله العنقري فقد كان كريماً شجاعاً وشهماً, وفياً مع هذه القبيلة, وهذه ماهى غريبة على أبناء العنقرى0