قصة عبد الكريم الجربا ابو خوذه

قصة عبد الكريم الجربا ابو خوذه من سلسلة قصص سالفه وقصيده من الحياة قديمة مكتوبة بالعربية

عبدالكريم الجربا شيخ قبيلة شمر المعروف باسم (أبو خوذه) . . . اشتهر هذا الشيخ بالكرم والجود الذي تناقلت العرب مآثره لشدة كرمه وشبهه الناس بحاتم الطائي، وانتشرت القصص والحكايات عن أكرم الرجال في عصره وفيه قال أكثر الشعراء الذين عاصروه أجمل قصائدهم بمدح خصاله وخصوصاً بالجود والكرم ، وحكايات هذا الشهم الكريم كثيرة وأشهرها قصته مع السارق وقصته مع الشراري، كما كان له أيضاً باعٌ بمواجهة الأتراك العثمانيين انتهى بمقتله وللمعلوميه فان عشيرة الجربا او الجربان التي ينتمي لها الشيخ عبدالكريم ينتمون الى شمر الخرصة من سنجارة من شمر

نسب عبد الكريم الجربا

هو شيخ معروف وفارس مغوار وجواد كريم عاش في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي ) وإلى جانب زعامته وفروسيته وكرمه اللامحدود كان سياسياً بارزاً وقائداً محنكاً قيل فيه الكثير من قصائد المديح والثناء التي إستحقها بجدارة حتى أصبح من المشاهير وإسمه نار على علم وتناقل الركبان قصصه ومآثره

أشهر شيوخ قبيلة شمر القبيلة العربية الأصيلة والعريقة المعروفة وهو من أشهر الزعماء والفرسان الذين أنجبتهم جزيرة العرب عبد الكريم بن صفوق بن فارس الجربا أو الجرباء المعروف بلقب أبو خوذه، والدته عمشة بنت الحسين العبد الله العساف أمير قبيلة طيّ في العراق، وشقيقه من والده الشيخ فرحان الجربا، وقد ورث عبد الكريم الجربا الكرم والنخوة والفروسية عن والده صفوق الجربا الذي لقبه الأتراك بسلطان البرّ، وعرف أيضاً بلقب المُحزّم.

ولد عبد الكريم الجربا وعاش في القرن التاسع عشر وقيل أنه مولده كان في عام 1835 للميلاد، ووفاته كانت حوالي 1870 للميلاد

نشأ الشيخ عبدالكريم وترعرع في بيت مشيخة وفروسية وكرم وشجاعة

قتل والده في عام 1256هـ وكان عمره آنذاك أحد عشر عاما تقريباً على يد أحد حراس الوالي التركي المكلفين بمرافقته لمقابلة الوالي، وقد قتل الشيخ صفوق الجربا بمسدس أطلق عليه من الخلف غدراً وعندما علم ابنه عبدالكريم بالأمر بعد ثلاثة أيام قرر أن يهجم على الوالي التركي ليقتله إنتقاماً لمقتل والده إلا أن قومه حالوا بينه وبين ذلك لخطورة الأمر عليه فأقسم أن يبيد الأتراك متى ما وجدهم وفي أي مكان يجدهم فقتل منهم الكثير وشتت جموعهم حيثما وجدهم وأكثر من الغارات على حملاتهم وحامياتهم حتى زعزع كيانهم وأرهبهم

لماذا سمي أبو خوذه؟

إشتهر الشيخ عبدالكريم الجربا بسخاء الكرم وحبه للعطاء ورحمته للضعفاء ويقال أن الشيخ عبد الكريم الجربا سمي بـ (أبو خوذه) لأنه كان يرد على كل من يطلب منه شيئاً بقوله (خوذه) أي خذّه، ومن القصص المشهورة عنه أنّه كان إذا عرضت أمامه الغنائم يقول لكل من غنم غنيمةً (خوذه تستاهله)، فأصبح الناس يعرفونه بهذا اللقب وقد عرف عن الشيخ عبدالكريم أنه لا يأخذ قلاعة الفارس الشمري في زمن كان الشيخ أو الأمير يستطيع أن يأخذ ما يشاء من مكاسب القبيلة.

قصه الشيخ عبد الكريم الجربا والحرامي

عرف الشيخ عبد الكريم الجربا من مشايخ قبيله شمر بالكرم اللامحدود حتى في احلك الاوقات واعصبها اذ لم يذكر عنه انه اتاه ملتمسا لفضله واعاده خالي اليدين مما جعل الناس ان يسموه بابي خوذه لانه لم يعرف ان يقول لا للمستجدي به لانه في هذه الحاله لايقول الا خذ ومن الروايات التي حبكت حول كرم هذا الشيخ وتسامحه عن الغير وان كان ذلك الغير يقصد الاساءه للجربا نفسه..

ففي احد الليالي انطلق احدهم لغض الكسب من ابل عبدالكريم الجربا على غفله منه وعندما وصل لمراح الابل رأى انه ليس من المناسب ان يعثو بالبل في لحظتها لان اغلب رجال النزل لازالوا يتجاذبون اطراف الحديث ولم يناموا بالسرعه التي كان يتصورها الحائف او الحنشولي ..

وكانت تلك الليله من ليالي الشتاء البارده التي لايستطيع فيها الانسان ان يقي نفسه من البرد القارس الا بأحد طريقتين اما الاغطيه الجيده او اشعال النار وهو مالم يتوفر للحنشولي في وقتها..

وطال به الانتظار وشددت البروده قبضتهاعليه ففكر في مخرج من ذلك فرأى ان من الافضل له العدول عن السرقه واللجوء لبيت الجربا بدلا من سرقه ابله حتى ينجو بنفسه من البروده الزائده فدلف لداخل البيت واوقد النار فأستيقظ عبد الكريم على ضوء اشعاعها ونهض من محل نومه واتجه للمجلس حيث توقد النار لمعرفة الضيوف الذين حلوا لتوهم على بيته دون علمه وصاروا يوقدون النار لغرض ايقاظه من النوم فلما اطل بنفسه على المجلس وجد هذا الشخص لوحده فسأله من اين اتيت ؟

بعد ان حياه فقال له انه اتى بغرض الكسب من ابله ولكن يقظه رجاله وبروده الجو حالا دون تحقيق رغبته وما اراد ان يفعله الجربا به بعد ذلك يفعله

فقال عبدالكريم خذ هذه الفروه واحفظ نفسك بها من البروده واذا اصبحنا افلحنا وانصرف لمكان نومه

فلما اصبح الصبح واجتمع القوم في بيت عبد الكريم جريا على العاده

قال الحنشولي هذه الابيات:::

البارحه ماهي من البارحاتي
من واهج ينفخ على البيت ويزير
البل تناحت كن فيه اطلاتي
والا تحش عضودها بالمناشير
لولا ابو خوذه كان هذا مماتي
في سهلة ماينوجد به حفافير
عطيته ماهي من البيناتي
فروه وعده عازلن لي مغاتير

فلما استمع الجربا لابيات الحنشولي قال له ان الابل التي غزيت من اهلك بطلبها قد كانت من نصيبك في هبه لك ولن يحول بينك وبينها حايل

فسمعت ام عبدالكريم بهبه ابنها غير المشروطه وغير الواجبه للحنشولي في نفس الوقت دفعها حب المال لمعارضته بما فعل

فقالت له: لا ياعبد الكريم انك اعطيته فروتك وانقذت حياته من الموت وعفوت عنه وهو الذي اتى لسرقتك فكيف تعطيع ابلك؟

فقال لها : اجل يايمه ليه سميتين عبد الكريم؟

يأبى عبدالكريم الرجوع عن هبته ويستاق الحنشولي الابل بكاملها هبه لاسرقه ….

وهذه بحق مفخره من مفاخر العرب حيث العفو عند المقدره والكرم اللامتناهي

قصه الشيخ عبد الكريم الجربا والشليمي

وايضا من قصص الطيب والكرم التي سطرها هذا الشيخ الكريم هو ما حدث بعد أن غزا بقبيلته على قبيلة الظفير وأخذ إبلاً لقيعي الشليمي السعيدي الظفيري وكانت من نوع المغاتير ( لونها أبيض ) وكان عددها يفوق المائة ناقة فإحتار صاحبها في كيفية إعادتها بعد أن فقد صبره لفراقها فتوجه إلى ابن عمه الشاعر محمد بن دهمان السعيدي الظفيري وطلب منه المساعده فقال له ابن دهمان إني لا أملك إلا لساني وسأبذل قصارى جهدي وإذا كان للشيخ عبدالكريم أي حماسة سوف ترجع إبلك يا الشليمي ثم توجه الإثنان إلى أرض الجزيرة حيث توجد بيوت الجربان هناك في وقتها ولما وصلا إلى هناك إقتربا من مضيف الشيخ عبدالكريم وإفتعلا حركة لفتت الأنظار إليهما فسألهما الشيخ عبدالكريم عن حاجتهما وكان عنده وفود ساعتها بالإضافة للضيوف والزوار فإرتجل ابن دهمان هذه القصيدة الرائعة حيث قال :

يا راكبٍ من فوق حسكات الأوبار

فج النحور ليا إنتون كل ناوي

حمرٍ ركب بظهورن كل مغوار

عيرات من هوز المطارق سعاوي

مثل القطا عن واهج القيظ عبار

متنحرات دار عطب الأهاوي

حيلٍ زها لظهورهن دشن الأكوار

وأول سمرهن من قعود اللحاوي

ياما حلا بظهورهن مس الأكوار

وعليهن اللي يبعدون الهقاوي

مرواحهن يأخذ من البعد مشوار

يشدن برقٍ مقتضيهن نداوي

مدّن من الداير على شبة النار

والعصر بالمرفوع خمس النضاوي

في دربهم متعرضينٍ للأخطار

ناصين دار محرقين القهاوي

وأرقب رقيبتهن على رأس سنجار

وتشوّف الجربان بهاك الحراوي

وطالع بيوتٍ كنهن زمة الطار

أهل الرباع مزبنين الجلاوي

واللي لجأ لبيوتهم ماله أذكار

محدٍ عليه من المعادين قاوي

بالبيت تلقى بين هاتش وخطار

وناسٍ معه ما ينعرف له لغاوي

بيوت المحمد مدهل الضيف والجار

وملجأ لمن كثرت عليه الشكاوي

ترثة صفوق اللي نعرفه بالأذكار

ياما تمنى قربهم من خلاوي

في ضف شيخٍ للمناعير ****

اللي طريحه ما لجرحه مداوي

أدنى بالأدنى كان للربع تختار

عبدالكريم ليا بلتك البلاوي

شواي سيف الهند في مجحم النار

ومن الطنا كنه في شفا البير داوي

رجّع لنا شقحاً من الذود معطار

تشوش ليا سمعت نديه الفداوي

يردّه اللي للطوابير كسار

كان الشليمي للبويضا رجاوي

نفسه صخيفه ما مشى درب الأنكار

حرٍ غلب عشه بحقٍ قصاوي

الله يبيّض وجيهكم عد ما صار

أبيض من القطن العفر عند راوي

ثم إرتجل الشليمي قصيدة أخرى وعندما إنتهيا إلتفت الشيخ عبدالكريم إلى رئيس الوفد الزائر وقال ما رأيك فيما سمعت ؟ فقال رئيس الوفد إنني لا أعرف هدف هذان الشاعران ولكن رأيي إن كانا صادقين ويطلبان شيئاً أن تعطيهما طلبهما وإن كانا كاذبين أن تقتلهما فقال الشيخ عبدالكريم ليس من شيمتنا قتل من في بيوتنا ولكن هذه إبلك يا شليمي وغداً سيجمعها لك شمر بكاملها ولك يا ابن دهمان عشرين من الإبل محملة بالأرزاق جزاء قصيدتك وقد كانت إبل الشليمي موزعة على رجال شمر فطلب قيعي الشليمي من الشيخ عبدالكريم أن يسمح له بأن يصعد على أحد المرتفعات ويصيح لإبله فما أتاه فهو له وما تخلف منها فهي ليست له فحاول الشيخ عبدالكريم ثنيه عن هذا القرار لطول السنين وقد تكون إبله قد نسيت صوته ولكنه أصر على طلبه فوافق له بذلك وفي الصباح صعد الشليمي على تل مرتفع وصاح لإبله التي تعرف صوته جيداً فإذا بكل مجموعة تأتيه من جهة حتى إجتمعت كلها عنده إلا ناقة واحدة نهضت وسارت مع الإبل وفي منتصف الطريق وقفت وأخذت تلتفت للخلف والأمام فنزل الشليمي وإتجه إليها وقطع أرجلها بالسيف وقال هذه عشاء لكم يا شمر وأردف قائلا والله إنها ليست على جملي ( فحل إبله ) وإنما لقحت بها أمها من جمل آخر في المفلأ

كذلك من أشهر قصائد المديح والثناء التي قيلت في الشيخ عبدالكريم الجربا هذه القصيدة للشاعر خضير الصعيليك التي قالها أمام الشيخ عبدالكريم الذي كان لابساً وقتها حزاماً مذهباً وفيه خنجر فأخذ الشيخ عبدالكريم يتعاظم من جزالة الألفاظ وقوة المعاني حتى إنقطع الحزام فكان أول الغيث وأولى العطايا للشاعر ومعه خمسة عشر من الإبل محملة بالأرزاق نظير قصيدته الرائعة حيث قال:

يا شيخ أنا جيتك على الفطر الشيب

قزان من دار المحبين دباب

دبا علي ودب مني بتقريب

قل المواشي يا ذرا من هاب

من دارنا جينا لدارك مغاريب

يموم نجمٍ لا تغير ولا غاب

متخيرك يا منقع الجود والطيب

لا خيّب الله للأجاويد طلاب

سلام من قلبٍ محبٍ بلا ريب

له يستتاب الشاب ويشب من شاب

يالجوهر التاريز يالعطر يالطيب

يالصعل يالصهال يا حصان الأطلاب

يالزير يالزحار يالنمر يالذيب

يالليث ياللايوث يالشبل يالداب

يالضاري الضرغام عطب المضاريب

يالفرز يا مفراص ضده والأجناب

يالنادر الهيلع عقاب المراقيب

يا نافلٍ جيله بعيدين وأقراب

نطاح طابور العساكر ليا هيب

ستر العذارى لا غشى الزمل ضبضاب

عيبك ليامن قالوا الناس بك عيب

بالسيف لأرقاب المناعير قصاب

وعيبك ليامن قالوا الناس بك عيب

للسمن فوق مفطح الحيل صباب

وذبح الغنم والكوم حرش العراقيب

وعطاء المهار وبذل مالٍ بلا حساب

وبك شارةٍ كب الفراد المحانيب

وبذل الطعام وللتنافيل كساب

نمرٍ تجره للعداء والأجانيب

تفجأ بها غرات ضدك بالأسباب

ومن عقب ذا بلعون ما بك عذاريب

أحلى من السكر على كبد شراب

جيناك فوق الهجن شيب المحاقيب

لمشاهدك يا شوق وضاح الأنياب

الحر يضرب بالكفوف المعاطيب

والتبع قنّاصه من الصيد ما جاب

وأنت الذي تافي بكل المواجيب

كنك هديب الشام بالحمل عتاب

وعلمك وصل لعمان شرقٍ وتغاريب

يا نافل البدوان وحتى هل الباب

تثنى لبو صلفيق ما به تكاذيب

شيخ الصخا معطي طويلات الأرقاب

ياما عطيت اللي يجونك طلاليب

كم واحدٍ جالك من الوقت منصاب

وفرجت همه في كبار المواهيب

من عيلمٍ يزمي كما يزمي الزاب

عز الله إنك طيبٍ وتفعل الطيب

والطيب يجنى منك يا زاكي الأنساب

ولاهو كثيرٍ يا مهدي الأصاعيب

أفعالكم يعده اللي بالأصلاب

مقتل عبد الكريم الجربا

الحكايات الأشهر عن عبد الكريم الجربا هي حكايات كرمه الذي ما زال مضرباً للمثل بين العرب، لكن لحياته جانباً لا يقل أهمية وهو صراعه مع العثمانيين.
على الرغم أن قبيلة شمّر وآل الجربا كانوا أهل سياسة مقربين من ولاة الأتراك، وشاركوا العثمانيين صد غزوات الفرس على العراق في عهد صفوق الجربا، لكن أبو خوذه قاد عصياناً مسلحاً ضد الأتراك، انتهى بتسليمه إلى الوالي مدحت باشا بعد أن وقع بيد الشيخ ناصر السعدون، ثم ساقوه إلى والي الشام مدحت باشا الذي أمر بإعدامه وقتلته شنقاً وكان عمره آنذاك ثمانية وثلاثون عاما، وكان ذلك في 1870 أو 1871 للميلاد حوالي 1283هـ

تقبلوا تحياتي