قصة توبة واعتزال الفنانة شادية

قصة توبة واعتزال الفنانة شادية من سلسلة قصص التائبين

شادية (8 فبراير 1931 – 28 نوفمبر 2017)، ممثلة ومطربة مصرية، تعتبر من أهم الفنانات في تاريخ السينما المصرية، ولقّبها النقاد والجمهور بدلوعة السينما. اُختيرت ستة من أفلامها في قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

عن حياتها

اختار لها والدها المهندس الزراعي أحمد كمال شاكر اسم «فاطمة». عرفت في السينما باسم شادية، وقد اختلفت الآراء في سبب تسميتها فهنالك رأي يقول إن المنتج والمخرج حلمي رفلة هو من اختار لها اسم شادية ليكون لها اسما فنيا وذلك بعدما قدمت معه فيلم العقل في إجازة، وهنالك من يقول أن الممثل يوسف وهبي هو من أطلق عليها اسمها عندما رآها وكان يصور في ذلك الوقت فيلمه شادية الوادي، وهنالك قول يرجح أن الفنان عبد الوارث عسر هو من أسماها شادية لأنه عندما سمع صوتها لأول مرة قال: «إنها شادية الكلمات». إلا أن شادية قد ذكرت في لقاء مع الإذاعة المصرية سنة 1963 أنها هي من اختارت اسم شادية لنفسها وذلك في فترة التحضير لتصوير فيلم «العقل في إجازة» رغم أن اسم شهرتها في العقد كان «هدى» الذي لم تكن تستسيغه حينها، وأن المخرج حلمي رفلة قد وافقها على اختيار اسم شادية بشدة.

قدمت خلال فترة ما يقارب أربعين عاماً حوالي 112 فيلماً و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة، وتعد من أبرز نجمات السينما المصرية وأكثرهن تمثيلاً في الأفلام العربية، فضلاً عن قاعدة عريضة بين الجمهور العربي، وهي في نظر الكثير من النقاد أهم فنانة شاملة ظهرت في تاريخ الدراما العربية.

النشأة

ولدت في منطقة الحلمية الجديدة في حي عابدين، كان والدها المهندس أحمد كمال أحد المهمين من مهندسي الزراعة والري ومشرفًا على الأراضي الخاصة الملكية حيث كان عمله آنذاك أي في بدايات القرن العشرين يستدعي وجوده في قلب العاصمة المصرية القاهرة وعلى بعد خطوات من قصر عابدين. لها أخت غير شقيقة من أمها تدعى عفاف عملت ممثلة لكنها لم تستمر طويلاً.

حياتها الأسرية

تزوجت ثلاث مرات ولم تنجب أبناء، الزيجة الأولى من الفنان عماد حمدي لمدة ثلاث سنوات، والثانية من المهندس «عزيز فتحي»، كما تزوجت من الفنان صلاح ذو الفقار إلا أنها انفصلت عنه في عام 1969

كانت تعيش حياتها جارية وراء اللهو والعبث، وراء سراب الفن، ووصلت إلى كل ما تحلم به من شهرة وتألق فني ومالوسياحة، لكنها عاشت حياة القلق والاضطراب إلى أن رأت النور والهداية.

رحلة التوبة

هذه رحلة شادية كما ترويها لجريدة “المسلمون”:

ذات ليلة- قبل عشر سنوات- بدأت الفكرة تسيطر على عقلي، وبدأت أحاسيسي كلها تستيقظ وتطالبني بالنجاة.. وأنا أمضي في طريقي مفتونة بأنين داخلي يتردد في كل جوارحي … فكرة الاعتزال ملأت قلبي وعقلي.. وبدأت رغبتي في الصلاة تزداد بشكل منتظم.

لا بد من العودة ولا بد من النجاة … هذه رغبة أبي وأمي برغم أنهما يخفيانها عني … هذه رغبتي الحقيقية والكامنة داخلي، لماذا لا أعود؟ وحين انتهى اليوم الأول من عرض مسرحية (ريّا وسكينة) ، وعدت إلى منزلي، دخلت حجرتي مسرعة، واستيقظت أمي على صوت أنين ونحيب، وقد استمر أنيني ونحيبي حتى أعلن المؤذن (الصلاة خير من النوم) .

الفجر الجميل

وكنت في كل ليلة أعود فيها إلى المنزل أسارع إلى الصلاة وأبدأ في قراءة القرآن الكريم انتظاراً للموعد الجميل مع الفجر، وكنت في كل ليلة أبكي بشدة، تسألني أمي عن السبب؟ فلا أجيب لأنني لا أعرف ماذا يحدث، وفي ذات ليلة استحلفتني أمي أن أخبرها عن سبب بكائي، فخرجت مني جملة واحدة، لا أدري كيف خرجت، جملة لن أنساها طوال حياتي قلت لها: (عايزة أحج) ، ضمتني أمي إلى صدرها وسمعتني وأنا أدعو الله قائلة: (يا رب أحج) .

قرار الاعتزال

قررت بعدها الاعتزال والذهاب على الفور إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة لتأدية العمرة.

لا أتذكر عناوين أغنياتي

كنت أنوي – منذ سنوات بعيدة – إجراء عملية جراحية، وكنت أقوم بتأجيلها في كل عام، لكنني في هذه المرة قررت أن أسافر إلى أمريكا لإجراء هذه العملية، وطوال وجودي في أمريكا كنت أصلي، وفوجئت بمقدرة عجيبة لدي على حفظ آيات الله بسهولة ويسر.
شعرت بعدها بأنني أزحت من فوق أكتافي هموماً وأحزاناً علقت بي سنوات طوالاً، شعرت بحلاوة التوبة، وروعة الإيمان بالله، صرت أحفظ الآيات بسهولة ويسر، وفي الوقت نفسه لا أتذكر شيئاً من ماضيّ الفنيّ، حتى عناوين الأغاني التي كنت أرددها وأحفظها عشرات المرات!!
أصبحت إنسانة أخرى، لقد دخل الإيمان في قلبي وغمرني تماماً، استغرقت العملية اثنتي عشرة ساعة، كنت قبلها وفي أثنائها في منتهى السعادة؛ هدوء واطمئنان وراحة لم أشعر بمثلها طوال حياتي … انتهت العملية وعدت إلى مصر، ثم ذهبت إلى مكة المكرمة ودخلت بيت الله الحرام ومتعت عينيّ برؤية الكعبة المشرفة وارتويت من زمزم وبدأت رحلة إيماني.

نسيت أنني فنانة

أقسم لكم أنني نسيت بعدها عملي، نسيت كل الأغاني والأفلام، نسيت كل شيء يربطني بحياتي الفنية، انتهت رحلة الضياع وبدأت رحلة الإيمان.
لكم أن تتخيلوا إنسانة لها أربعون سنة من العمل المتواصل في مجال الفن ثم تنسى بعد هذه الحقبة المتطاولة كل أغانيها وأفلامها، لقد نسيتُ حتى ما كنت أعمل!

نفحة إلهية

وجئت من العمرة، وراودوني مراراً كي أعود إلى المسرح فرفضت بشدة، وكانت العروض الفنية تُعدّ بالمئات ولكنني اتخذت القرار، مع أني لم أمانع من أداء أغنية دينية.
وتصف لنا مشاعرها بعد أداء الأغنية فتقول: بالرغم من فرحة الناس بالأغنية لأنها دينية وتدعو إلى قيم أخلاقية، فقد شعرت بعدها بالقلق والتوتر والرغبة الشديدة في العودة إلى مكة المكرمة مرة ثانية لتأدية العمرة.
وجاءت نفحة إلهية أخرى تمثلت في عدم مقدرتي على حفظ أي أغنية دينية جديدة، وانصرفت للترتيب لبداية رحلتي الإيمانية وارتديت الحجاب.

نصيحة الشيخ الشعراوي

واتصلت شادية بالشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ليأخذ بيدها إلى التزام طريق النور.
وقال الشيخ نصيحته: اسمعي يا ابنتي سيقابلك الناس بوجوه مختلفة، سيغيظونك بالكلمات تلميحاً أو تصريحاً، وبعضهم سيحاول تذكيرك بعملك وجذبك إليه مرة أخرى، كل هؤلاء أصدقاء الشيطان، لا تلتفتي إليهم، ولا تعيريهم اهتماماً، ولكن هناك آخرين – وهم الأغلبية بإذن الله تعالى – سيفرحون وسيفرحون لك.
وتحققت توقعات الشيخ الناصح، وكنت سعيدة تماماً وفرحتي أكبر من أعمالي كلها، التي قالوا عنها أمجاداً.
أنا الآن في قمة السعادة، وأتمنى لكم أن تشعروا بها، والتحقت شادية (فاطمة) بركب التائبات، غفر الله لها.

من أقوالها

– خلال رحلة العمر الطويلة زرت جميع بلاد العالم ما عدا روسيا، وبالرغم من ذلك فإنني لم أجد أعظم من مكة المكرمة والمدينة المنورة فقد ملكَتَا كياني، حتى أصبح حبهما يجري في دمي.

إن كل الأعمال التي يسميها بعض الناس أمجاداً لا تساوي شيئاً أمام عمل واحد أرضيت فيه ربي سبحانه وتعالى.

– أقول للفنانين والفنانات: حاولوا دائماً ألا تقعوا ضحية لبريق الشهرة وتنسوا تماماً ذلك اليوم الذي ستأتون فيه مجردين من الألقاب، ومن كل شيء.

وماذا بعد التوبة؟

انطلقت فاطمة تشق طريقها بعد ذلك في العمل الصالح وحضور مجالس العلم والإيمان في مسجد الدكتور مصطفى محمود، ودعتها هذه التوبة إلى القيام ببعض الأعمال الخيرية منها:
(1) مساعدة الفقراء.
(2) التبرع ببناء مسجد ومستوصف ومجمع خيري.
(3) إقامة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم.
(4) عمل مونتاج لأشرطة (كاسيت) تحتوي على تلاوة مرتلة للقرآن الكريم كاملاً مع تفسيره باللغة الإنجليزية، ومن ثَمّ توزيعه على المراكز الإسلامية.
تقبّل الله توبتها وغفر لها وأدخلها الجنة.