قصة إسلام ضماد الأزدي وحديثه مع النبي صلى الله عليه وسلم

قصة إسلام ضماد الأزدي وحديثه مع النبي صلى الله عليه وسلم

إنه ضِماد أو ضِمام بن ثعلبة الأزدي, رجل من أزد شنوءة, كان باليمن وقت ظهور النبي -صلى الله عليه وسلم-, كان ضماد من عقلاء الناس, وكان يرقي الناس من الجنون, قدم يومًا إلى مكة, وأخذ يمشي في أزقتها, يقابل أهلها وكبارها فجلس مجلسا فيه ابو جهل وعتبة بن ربيعة وامية بن خلف فسمعهم يتحدثون عن رجل اسمه محمد -عليه الصلاة والسلام-, يتحدثون عن ظهوره بدعوة جديدة, وأنه مجنون؛ يهذي بكلام المجانين فقال ابوجهل: هذا الرجل فرق جماعتنا ، وسفه الهتنا ، واضل من مات منا ،فقال امية ،الرجل مجنون غير شك ،قال ضماد :فوقعت فى نفسي كلمته

ومر بعدها بأحد أزقة مكة, فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي وغلمانٌ سفهاء يتبعونه, قد سلطهم عليه صناديد قريش, فلما رأى ذلك ضماد قال في نفسه: “لو أني أتيت هذا الرجل فأرقيه؛ لعل الله -تعالى- أن يشفيه على يدي”, نعم؛ كان لدى ضماد أصل فطرة التوحيد, حين نسب الشفاء لله -تعالى-.

تقدم ضماد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فتأخر الغلمان وانفضوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قال ضماد: “يا محمد! إني أعالج من الجنون, وإن الله يشفي على يدي من شاء, فهل لك؟”.

نعم, واجه الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- بما سمعه عنه, خاطبه على أنه مجنون من المجانين, صلوات ربي وسلامه عليه, وعرض عليه خدماتِه, بصفته صاحب طب وصنعة.

أما رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-, فما نهر ضمادًا, ولا وبخه, ولا اعتدى عليه, وإنما وجدها فرصة مناسبة للدعوة إلى دين الله -تعالى-؛ لعل الله أن يهدي هذا الرجل العاقل على يديه.

فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- فمه ونطق, نطق بكلمات من الهدى والنور, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أما بعد”.

كان ضماد يتأمل في هذه اللآلئ التي تتحدر من فيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, يتأمل في الكلمات التي يتلفظ بها من تتهمه قريش بالجنون, لم يدع رسولَ الله يكمل ما بعد “أما بعد”, وإنما استوقفه عن الحديث وقال: “يا محمد! أعد عليَّ”, فأعاد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك المقدمةَ الرائعةَ الرائقة, فلما قال: “أما بعد”, قال ضماد وهو يستمع بكل جوارحه: “يا محمد! أعد علي مرة ثالثة”, فأعاد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فلما قال: “أما بعد” للمرة الثالثة, استوقفه ضماد أيضًا, ثم قال: “يا محمد! لقد سمعتُ الشِعرَ والعِيافة والكِهانة, وقرأت الكُتُبَ والتوراةَ والإنجيلَ والزبور، فما سمعت مثل هذا الكلام, وإني أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله”.

الله أكبر, نعم؛ أسلم ضماد فقط عندما سمع تلك الكلمات , وأثرت في ضماد, ونقلته من الكفر إلى الإسلام.

لما نطق ضماد بشهادة التوحيد, مد يده باتجاه النبي -صلى الله عليه وسلم-, فقال: “يا رسول الله! هات يدك لأبايعك على الإسلام”, فمد الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يده لضماد وبايعه على الإسلام.

ولم يُفوِّت النبيُ -صلى الله عليه وسلم- هذه اللحظة, لقد رحم الله ضمادًا وأسلم على يديه, وضماد مسموع الرأي في قومه, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “وعلى قومك؟”؛ أي: أتبايعني على الإسلام عنك وعن قومك؟ فقال ضماد: “نعم عليَّ وعلى قومي”.

يا الله! كلمات يسيرة, يهدي بها الله قومًا بأكملهم, ما هذه البركة في تلك الكلمات؟! وما هذه البركة في ضماد؟! وكل البركة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128].

رحابة الصدر فيهِ غير خافية *** من أجلها عَظُمَت فيهم مكانته

نعم؛ أن يتهِمَك شخص بالجنون, ويعرض عليك العلاج, وهو لا يعرفك, هذا بلا شك أمر ثقيل على النفس, وقد لا يستطيع الإنسان الصبر على من يقابله بمثل ذلك, أما النبي -صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي-, استقبل ضمادًا بالبشر, وعرض عليه دعوة التوحيد فما فرغ حتى أسلم -رضي الله عنه-.

الحلم خَصلة عظيمة, ومن منا يصبر على إساءة الناس عليه, سواء بالقول أو بالفعل؛ كمن يخطئ عليك في قيادة السيارة, أو يتلفظ عليك في مجلس, وأغلب المشاكل تحدث من ردات فعلنا تجاه ما يقابلنا في الحياة.

يتذرع البعض بأنه لا يستطيع الصبر على الإساءة, أو أنه حاول مراراً ولم يستطع, فلمثل هؤلاء يقال ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنما الحلم بالتحلم”؛ أي: بالتدرب على ذلك ومكابدته؛ حتى يصبح سجية للإنسان.

ومن فوائد قصة ضماد الأزدي: استثمار النبي -صلى الله عليه وسلم- للمواقف بالدعوة إلى الله -تعالى-, كم نصادف في حياتنا اليومية من أشخاص غير مسلمين, فهل دعوناهم للإسلام؟! لقد أتى بهم الله -تعالى- من ديارهم إلينا, فهل نتركهم يعودون كما أتوا؟!.

ألم نسمع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً؛ خير لك من حمر النَّعم”؟.

وكم نصادف في حياتنا اليومية من معاصٍ ومنكرات ظاهرة, فهل أدينا شعيرة الله -تعالى- بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].

ومن فوائد هذه القصة: أن الشفاء من عند الله -تعالى-, بل إن هذا الاعتقادَ هو الفطرة, فهذا ضماد نسب الشفاء لله -تعالى- ولم ينسبه لنفسه.

ألم يتأمل ذلك من يذهب للسحرة والمشعوذين يلتمس منهم الشفاء ورفع البلاء؟ ألم يتأمل ذلك من يطارد الأطباء في المستشفيات دون أن يرفع يديه بدعوة صادقة لله -تعالى- أن يشفيه أو يشفي مريضه؟!.

ومن فوائد القصة: تقصيرنا -أيها الإخوة- في تأمل كلام الله -تعالى-, وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-, فكم مرة سمعنا أو قرأنا ما سمعه ضماد!؛ ولم تهتز فينا شعرة, وكم مرة نقرأ سورة الفاتحة كل يوم, وهي أعظم سورة في القرآن, فهل تأملنا وتدبرنا في معانيها, وهكذا في سائر الآيات والأحاديث؟, هي دعوة لاستحضار القلب عند سماع الذكر أو قراءته.

هذه نتف يسيرة من الدروس والعبر, في قصة ضماد مع خير البشر, ولكلٍ منكم إجالةَ النظر؛ لاستنباط ما يؤديه إليه الفكر